للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الحكم. وفي أيّامه بنيت تنّيس الأولى التي غرّقها البحر، وكان بينه وبينها شيء كثير، وحولها الزّرع والشّجر والكروم، وقرى ومعاصر للخمر، وعمارة لم يكن أحسن منها (١).

فأمر الملك أن يبنى له وسطها (a) مجالس، وينصب له عليها قباب، وتزيّن بأحسن الزّينة والنّقوش، وأمر بفرشها وإصلاحها؛ وكان إذا بدأ النّيل يجري انتقل الملك إليها، فأقام بها إلى النّوروز ورجع.

وكان للملك بها أمناء يقسمون المياه، ويعطون كلّ قرية قسطها، وكان على تلك القرى حصن يدور بقناطر، وكان كلّ ملك يأتي يأمر بعمارة بها (b) والزّيادة فيها، ويجعلها له متنزّها.

ويقال إنّ الجنّتين اللّتين ذكرهما اللّه تعالى في كتابه العزيز، إذ يقول: ﴿وَاِضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ … ﴾ الآية [الآية ٣٢ سورة الكهف]، كانتا لأخوين من بيت الملك أقطعهما ذلك الموضع (٢)، فأحسنا عمارته وهندسته وبنيانه. وكان الملك يتنزّه عليهما (c)، ويؤتى بغرائب الفواكه والبقول، ويعمل له من الأطعمة والأشربة ما يستطيبه.

فعجب بذلك المكان أحد الأخوين، وكان كثير الضّيافة والصّدقة، ففرّق ماله في وجوه البرّ، وكان الآخر ممسكا يسخر من أخيه إذا فرّق ماله، وكلّما باع من قسمه شيئا اشتراه منه، حتى بقي لا يملك شيئا.

وصارت تلك الأجنّة (d) لأخيه، واحتاج إلى سؤاله، فانتهره وطرده، وعيّره بالتّبذير وقال: قد كنت أنصحك وآمرك (e) بصيانة مالك فلم تفعل، ونفعني إمساكي فصرت أكثر منك مالا وولدا، وولّى عنه مسرورا بماله وجنّته. فأمر اللّه ﷿ (f) - البحر، فركب تلك القرى وغرّقها جميعها، فأقبل صاحبها يولول ويدعو بالثّبور (٣)، ﴿وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً﴾؛ قال اللّه : ﴿وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اَللّهِ﴾ [الآيتان ٤٢، ٤٣ سورة الكهف].

وفي زمان فليمون الملك بنيت دمياط (٤).


(a) بولاق: في وسطها.
(b) بولاق: بعمارتها.
(c) بولاق: فيهما.
(d) بولاق: الجنة.
(e) ساقطة من بولاق.
(f) بولاق: تعالى.
(١) انظر فيما تقدم ٣٧٧.
(٢) النويري: نهاية الأرب ٧٧: ١٥ - ٧٨.
(٣) قارن النويري: نهاية الأرب ٢٥٢: ١ نقلا عن كتاب «العجائب الكبير» لإبراهيم بن وصيف شاه.
(٤) النويري: نهاية ٧٨: ١٥؛ وفيما يلي ٥٨١.