للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العاص؛ فانصرفت عنّي، ثم أقبلت تشتدّ أسمع حفيف إزارها على ساقها، حتى دنت منّي، ثم قالت: قم فأجب أمير المؤمنين يدعوك، فتبعتها. فلمّا دخلت، فإذا بعمر يتناول رداءه بإحدى يديه ويشدّ إزاره بالأخرى، فقال: ما عندك؟ فقلت: خير يا أمير المؤمنين، فتح اللّه الإسكندرية؛ فخرج معي إلى المسجد، فقال للمؤذّن: أذّن في النّاس «الصّلاة جامعة». فاجتمع الناس؛ ثم قال لي: قم فأخبر أصحابك، فقمت فأخبرتهم؛ ثم صلّى ودخل منزله، واستقبل القبلة فدعا بدعوات، ثم جلس فقال: يا جارية، هل من طعام؟ فأتت بخبز وزيت، فقال: كل، فأكلت على (a) حياء. ثم قال: كل، فإنّ المسافر يحبّ الطّعام، فلو كنت آكلا لأكلت معك. فأصبت على حياء. ثم قال: يا جارية، هل من تمر؟ فأتت بتمر في طبق، فقال: كل، فأكلت على حياء؛ ثم قال: ماذا قلت يا معاوية حين أتيت المسجد؟ قال: قلت: أمير المؤمنين قائل؛ قال:

بئس ما قلت (أو بئس ما ظننت)، لئن نمت النّهار لأضيّعن الرّعيّة، ولئن نمت اللّيل لأضيّعن نفسي، فكيف بالنّوم مع هذين يا معاوية؟

ثم كتب عمرو بن العاص بعد ذلك إلى عمر بن الخطّاب: «أمّا بعد، فإنّي فتحت مدينة لا أصف ما فيها، غير أنّي أصبت فيها أربعة آلاف منية بأربعة آلاف حمّام، وأربعين ألف يهودي عليهم الجزية، وأربع مائة ملهى للملوك» (١).

وعن أبي قبيل أنّ عمرا لمّا فتح الإسكندرية وجد فيها اثني عشر ألف بقّال يبيعون البقل الأخضر. وترحّل من الإسكندرية، في الليلة التي دخلها عمرو، أو في الليلة التي خافوا فيها دخول عمرو، سبعون ألف يهودي.

وكان بالإسكندرية، فيما أحصي من الحمّامات، اثنا عشر ألف ديماس، أصغر ديماس منها يسع ألف مجلس، كلّ مجلس يسع جماعة نفر. وكان عدّة من بالإسكندرية من الرّوم مائتي ألف من الرجال (b)، فلحق بأرض الرّوم أهل القوّة وركبوا السّفن؛ وكان بها مائة مركب من المراكب الكبار، فحمل فيها ثلاثون ألفا مع ما قدروا عليه من المال والمتاع والأهل. وبقي من بقي من الأسارى من بلغ الخراج، فأحصي يومئذ ستّ مائة ألف سوى النّساء والصّبيان. فاختلف


(a) ساقطة من بولاق.
(b) بولاق: رجل.
(١) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ٨١ - ٨٢.