للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في عرض شبر، ومقدارها على جهة الأرض نحو من مائة ذراع، وماء البحر قد بلغ أصلها. وقد كان تهدّم أحد أركانها الغربية ممّا يلي البحر، فبناها أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون.

وبينها وبين مدينة الإسكندرية في هذا الوقت نحو من ميل، وهي على طرف لسان من الأرض قد ركب البحر جنبتيه. وهي مبنية على فمّ ميناء الإسكندرية، وليس بالميناء القديم لأنّ القديم في المدينة العتيقة لا ترسي فيه المراكب لبعده عن العمران. والميناء هو الموضع الذي ترسي فيه مراكب البحر.

وأهل الإسكندرية يخبرون عن أسلافهم أنّهم شاهدوا بين المنارة وبين البحر نحوا ممّا بين المدينة والمنارة في هذا الوقت، فغلب عليه ماء البحر في المدّة اليسيرة، وأنّ ذلك في زيادة (١).

قال: وتهدّم في شهر رمضان سنة أربع وأربعين وثلاث مائة نحو من ثلاثين ذراعا من أعاليها بالزّلزلة التي كانت ببلاد مصر وكثير من بلاد الشّام والمغرب في ساعة واحدة، على ما وردت به علينا الأخبار المتواترة ونحن بفسطاط مصر، وكانت عظيمة جدّا مهولة فظيعة أقامت نحو نصف ساعة زمانيّة، وذلك لنصف يوم السبت لثمان عشرة ليلة خلت من هذا الشهر، وهو الخامس من كانون الآخر والتاسع من طوبة (٢).

وكان لهذه المنارة مجمع في يوم خميس العدس (٣)، يخرج سائر أهل الإسكندرية إلى المنارة من مساكنهم بمآكلهم - ولابد أن يكون فيها عدس - فيفتح باب المنار ويدخله الناس، فمنهم من يذكر اللّه، ومنهم من يصلّي، ومنهم من يلهو، ولا يزالون إلى نصف النّهار ثم ينصرفون. ومن ذلك اليوم يحترس على البحر من هجوم العدوّ.

وكان في المنارة قوم مرتّبون لوقود النّار طول الليل، فيقصد ركّاب السّفن تلك النار على بعد، فإذا رأى أهل المنار ما يربيهم أشعلوا النار من جهة المدينة، فإذا رآها الحرس ضربوا الأبواق والأجراس، فيتحرّك عند ذلك الناس لمحاربة العدوّ.

ويقال إنّ المنار كان بعيدا عن البحر، فلمّا كان في أيّام قسطنطين بن قسطنطين هاج البحر وغرّق مواضع كثيرة وكنائس عديدة بمدينة الإسكندرية، ولم يزل يغلب عليها بعد ذلك ويأخذ منها شيئا بعد شيء. وذكر بعضهم أنّه قاسه فكان مائتي ذراع وثلاثة وثلاثين ذراعا، وهي ثلاث


(١) المسعودي: التنبيه والإشراف ٤٦ - ٤٨.
(٢) نفسه ٤٨ - ٤٩؛ السيوطي: كشف الصلصلة عن وصف الزلزلة ١٧٤.
(٣) عن خميس العدس انظر فيما يلي ٤٥٠: ١، ٤٩٥.