ثم ولي الإسكندرية بعده كلوباطرة [Cleopatra] سنتين (٢)، فدامت مملكة الإسكندرية - وهي الدّولة المجدونية - إلى أوّل ملوك قيصر - الذي هو أوّل ملوك الرّومانيين - مائتين وإحدى وثمانين سنة (٣).
فبعث قيصر قائدين بعساكر كثيرة لفتح مصر، فتزوّج أحدهما كلوباطرة ابنة ديوشيش الملقّب بطلميوس، وقتل القائد الآخر، وخالف قيصر. فسار إليه قيصر بنفسه، وجرت أمور آلت إلى فتح الإسكندرية بعد حروب، واستولى قيصر على مملكة مصر، وقتل كلوباطرة وولديها، وقتل القائد الذي تزوّجها؛ ويقال بل سمّت نفسها عندما تيقّنت غلبة قيصر لها.
ويقال إنّها كانت ذات حزم ومعرفة وتدبير، وإنّها حفرت خليج الإسكندرية وأجرت فيه الماء من مصر، وبنت بالإسكندرية أبنية عجيبة، منها هيكل زحل، وعملت فيه صنما من نحاس أسود. وكان أهل مصر والإسكندرية يعملون له عيدا في اليوم الثاني والعشرين من هاتور، ويحجّ إليه اليونانيون من سائر الأقطار ويذبحون له ذبائح لا تحصى كثرة. فلمّا ظهرت ملّة النّصارى في الإسكندرية جعلوا هيكل زحل كنيسة، ولم تزل إلى أن هدمها جيوش المعزّ لدين اللّه عند قدومهم من المغرب إلى أرض مصر في سنة ثمان وخمسين وثلاث مائة من سني الهجرة النّبوية.
ويقال إنّ كلوباطرة هي التي بنت حائط العجوز بمصر، ويشبه أن يكون هذا غير صحيح.
ويقال إنّها بنت مقياسا بمدينة إخميم، ومقياسا آخر بأنصنا. ويقال كانت مدّة ملكها ثلاثين سنة، وليس بصحيح.
وبموت كلوباطرة انقطعت مملكة مصر، وصارت تحت يد ملوك الرّوم من أهل مدينة رومة، ثم تحت يد ملوك الرّوم من أهل قسطنطينيّة. فلم تزل تحت أيديهم يولّون فيها من قبلهم من شاءوا، فيصير إلى الإسكندرية ويقيم بها، إلى أن قدم عمرو بن العاص بالمسلمين، وفتح اللّه على يده الحصن والإسكندرية وجميع أرض مصر (٤). ويقال معنى كلوباطرة: الباكية.
(١) أوروسيوس: تاريخ العالم ٣٥٤ - ٣٥٥. (٢) نفسه ٣٩٠، ٣٩١. (٣) نفسه ٤١١. (٤) لم يذكر المقريزي اسم أحد من ولاة مصر في العصرين الروماني والبيزنطي، باعتبار أنّ مصادره مثل تاريخ أوروسيوس تذكر فقط أسماء الأباطرة ولا تعرض كثيرا لأسماء ولاة الأقاليم مثل مصر. وكان كرسي الأباطرة أوّلا في روما ثم في القسطنطينية. وعن تاريخ مصر في هذه