للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرغت من إصلاح تلك المدينة فأنفذ إليّ جيشك حتى أصير إليك وأبعد عن مدينتي وأهل بيتي، فإنّي أكره أن تدخل عليّ بالقرب منهم. فمضى وجدّ في عمل الإسكندرية الثانية.

وأهل التاريخ يذكرون (a) أنّ الذي قصدها الوليد بن دومغ العمليقي ثاني الفراعنة. وكان سبب قصدها أنّه كان به علّة فوجّه إلى الأقطار ليحمل إليه من مائها حتى يرى ما يلائمه. فوجّه إلى مملكة مصر غلاما فوقف على كثرة خيراتها، وحمل إليه من مائها وألطافها، وعاد إليه فعرّفه حال مصر. فسار إليها في جيش كثيف، وكاتب الملكة يخطبها لنفسه، فأجابته وشرطت عليه أن يبني لها مدينة يظهر فيها أيديه (b) وقوّته، ويجعلها لها مهرا. فأجابها وشقّ مصر إلى ناحية الغرب، فبعثت إليه أصناف الرّياحين والفواكه، وخلّقت وجوه الدّواب.

فمضى إلى الإسكندرية وقد خربت بعد خروج العادية منها، فنقل ما كان من حجارتها ومعالمها وعمدها، ووضع أساس مدينة عظيمة، وبعث إليها مائة ألف فاعل، وأقام في بنائها مدّة، وأنفق جميع ما كان معه من المال، وكلّما بنى شيئا خرج من البحر دوابّ فتقلعه، فإذا أصبح لم يجد من البناء شيئا، فاغتمّ (c) لذلك.

وكانت حوريا (d) قد أنفذت إليه ألف رأس من المعز اللّبون يستعمل ألبانها في مطبخه، وكانت مع راع تثق به يرعاها هنالك، فكان إذا أراد أن ينصرف عند المساء خرجت إليه من البحر جارية حسناء فتتوق نفسه إليها، فإذا كلّمها شرطت عليه أن تصارعه، فإن صرعها كانت له، وإن صرعته أخذت من المعز رأسين.

فكانت طول الأيّام تصرعه وتأخذ الغنم، حتى أخذت أكثر من نصفها، وتغيّر باقيها لشغله بحبّ الجارية عن رعيها، ونحل جسمه. فمرّ به صاحبه وسأله عن حاله فأخبره الخبر خوفا من سطوته، فلبس ثياب الرّاعي، وتولّى رعي الغنم يومه إلى المساء.

فخرجت إليه الجارية وشرطت عليه الشّرط فأجابها، وصارعها فصرعها وشدّها، فقالت: إن كان ولابدّ من أخذي فسلّمني لصاحبي الأوّل، فإنّه ألطف بي وقد عذّبته مدّة.

فردّها إليه وقال له: سلها عن هذا البنيان الذي/ نبنيه ويزال من ليلته، من يفعل ذلك؟ وهل في ثباته من حيلة؟


(a) بعد ذلك عند النويري: شيئا من أخبار أنداخس ويذكرونه أنه الذي قصد الوليد.
(b) الأصل وبولاق: أيده.
(c) الأصل وبولاق: فاهتم.
(d) بولاق: جورياق.