للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قاصد من الأمم التي حولهم، فإن كان ممّا يهمهم وكان من البحر عملوا لتلك المرآة عملا فألقت شعاعها على ذلك الشيء فأحرقته، فلم تزل إلى أن غلب البحر عليها؛ ويقال إنّ الإسكندر إنّما عمل المنارة تشبّها بها (١).

وكان عليها أيضا مرآة يرى فيها من يقصدهم من بلاد الرّوم، فاحتال عليهم بعض ملوكهم ووجّه إليها ما أزالها، وكانت من زجاج مدبّر.

قال: وذكر بعض القبط أنّ رجلا من بني الكهنة الذين قتلهم أنساد (a) ملك مصر صار إلى ملك كان في بلاد الإفرنجة فذكر له كثرة كنوز مصر وعجائبها، وضمن له أن يوصّله إلى ملكها وأموالها، ويرفع عنه أذى طلّسماتها حتى يبلغ جميع ما يريد. فلمّا اتّصل بصا بن مرقونس أخي أنساد (a) - وهو ملك مصر يومئذ - أنّ صاحب بلاد الإفرنجة يتجهّز إليه، عمد إلى جبل بين البحر الملح وشرقي النّيل فأصعد إليه أكثر كنوزه، وبنى عليها قبابا مصفّحة بالرّصاص. وظهر صاحب بلاد الإفرنجة في ألف مركب، فكان لا يمرّ بشيء من أعلام مصر ومنازلها إلاّ هدمه، وكسر الأصنام بمعونة ذلك الكاهن، حتى أتى الإسكندرية الأولى فعاث فيها وفيما حولها، وهدم أكثر معالمها، إلى أن دخل النّيل من ناحية رشيد وصعد إلى منف، وأهل النّواحي يحاربونه، وهو ينهب ما مرّ به ويقتل ما قدر عليه، إلى أن طلب المدائن الدّاخلة/ لأخذ كنوزها، فوجدها ممتنعة بالطّلّسمات الشّداد والمياه العميقة والخنادق والشّدّاخات، فأقام عليها أيّاما كثيرة فلم يمكنه الوصول إليها، وغضب على الكاهن فقتله من أجل جماعة من أصحابه هلكوا.

فاجتمع أهل النّواحي وقتلوا من أصحابه الذين بالمراكب خلقا، وأحرقوا بعض المراكب، وقام أهل مصر بسحرهم وتهاويلهم، فأتت رياح أغرقت أكثر مراكبه حتى نجا بنفسه، وقد خرج فعاد الناس إلى منازلهم وقراهم. ورجع الملك صا إلى مدينة منف وأقام بها، وتجهّز لغزو بلدان الرّوم وبعث إليها، وخرّب الجزائر فهابته الملوك، وتتبّع الكهنة فقتل منهم خلقا كثيرا.


(a) بولاق: إيساد.
(١) النويري: نهاية الأرب ٤٤: ١٥ - ٤٥.