ومنذ جدّدها الإسكندر المذكور، انتقل تخت المملكة من مدينة منف إلى الإسكندرية، فصارت دار المملكة بديار مصر. ولم تزل على ذلك حتّى ظهر دين الإسلام، وقدم عمرو ابن العاص بجيوش المسلمين وفتح الحصن والإسكندرية، وصارت ديار مصر أرض إسلام، فانتقل تخت الملك حينئذ من الإسكندرية إلى فسطاط مصر، وصار الفسطاط من بعد الإسكندرية دار مملكة ديار مصر. وسأقصّ عليك من أخبار الإسكندرية ما وصل إليه علمي إن شاء اللّه تعالى.
ذكر أبو الحسن المسعودي في كتاب «أخبار الزّمان» أنّ الكوكة - وهي أمّة في غابر الدّهر من أهل أيلة - ملكوا الأرض وقسّموها على ثلاثين كورة وأربعة أقسام، كلّ قسم عمل، وبنوا في كلّ عمل مدينة بها ملك يجلس على منبر من ذهب، وله بربا وهي بيت الحكمة، وله هيكل على اسم كوكب فيه أصنام من ذهب. وجعلوا الإسكندرية، واسمها رقودة، خمس عشرة كورة، وجعلوا فيها كبار الكهنة، ونصبوا في هياكلها من أصنام الذهب أكثر ممّا نصبوا في غيرها، فكان ما بها مائتا صنم من ذهب. وقسّموا الصّعيد ثمانين كورة على أربعة أقسام وثلاثين مدينة فيها جميع العجائب (١).
وذكر بطلميوس في كتاب «الأقاليم ووصف الجزائر والبحار والمدن» أنّ مدينة الإسكندرية لبرج الأسد، ودليلها المرّيخ، وساعاتها أربع عشرة ساعة، وطولها ستون درجة ونصف درجة، يكون ذلك أربع ساعات مستوية وثلاث عشرة ساعة.
وقال ابن وصيف شاه في ذكر أخبار مصرايم بن بيصر بن نوح: وعلّمهم أيضا عمل الطّلّسمات، وكانت تخرج من البحر دوابّ تفسد زرعهم وجنانهم وبنيانهم، فعملوا لها الطّلّسمات، فغابت ولم تعد. وبنوا على عبر (a) البحر مدنا، منها مدينة رقودة مكان الإسكندرية، وجعلوا في وسطها قبّة على أساطين من نحاس مذهّب، والقبّة مذهّبة، ونصبوا فوقها مرآة من أخلاط شتّى قطرها خمسة أشبار وارتفاع القبّة مائة ذراع؛ فكانوا إذا قصدهم
(a) بولاق: غير. (١) المسعودي: أخبار الزمان ٦٧ - ٦٨؛ وانظر فيما تقدم ٣٤٩ وفيما يلي ٥٠٤.