وملكت بعده حوريا (a)، فوعدت الناس بالإحسان، وجمعت الأموال، وقدّمت الكهنة وأهل الحكمة ورؤساء السّحرة، ورفعت أقدارهم، وجدّدت الهياكل؛ وصار من لم يرضها إلى مدينة أتريب، وملّكوا رجلا من ولد أتريب، وقد تقدّم خبره في الإسكندرية (١).
وحوريا (a) أوّل امرأة ملكت مصر من ولد نوح ﵇، وماتت (٢). فملكت بعدها ابنة عمّها ذليفة (b) بنت مأموم، وكانت عذراء عاقلة، فوعدت الناس بالجميل. وقام عليها أيمن (c) الأتريبي، واستنصر بملك العمالقة، فسيّر معه قائدا، فأخرجت إليه جيشا فالتقوا بالعريش واقتتلوا حتى فني منهم كثير من الناس، ثم انهزم أصحاب ذليفة (b) إلى منف، وهم في أقفيتهم.
فخرجت ذليفة (b) إلى الصّعيد، ونزلت الأشمونين، فكان بينها وبين عساكر العمالقة حروب انهزموا فيها، وخرجوا عن منف بعد ما عاثوا فيها، وعدوا إلى الحوف فامتنعوا به، وصارت مصر بينهم نصفين.
ثم إنّ ذليفة (b) عاودت الحرب، فاستمرّت ثلاثة أشهر حتى انهزمت إلى قوص وأيمين خلفها، فلمّا أيقنت أنّها تؤخذ سمّت نفسها فهلكت (٣).
وقال ابن عبد الحكم: ثم توفّي طوطيس بن ماليا، فاستخلفت ابنته حوريا (a) ابنة طوطيس، ولم يكن له ولد غيرها، ثم توفّيت حوريا (a)، فاستخلفت ابنة عمّها ذليفة (b) ابنة مأموم بن ماليا، فعمّرت دهرا طويلا. وكثروا ونموا، وملأوا أرض مصر كلّها، فطمعت فيهم العمالقة، فغزاهم الوليد بن دومع فقاتلهم قتالا عظيما، ثم رضوا أن يملّكوه عليهم، فملكهم نحوا من مائة سنة، فطغى وتكبّر وأظهر الفاحشة، فسلّط اللّه عليه سبعا فافترسه وأكل لحمه (٤).
والذي ملك مصر من الفراعنة خمسة.
وملك أيمين (d) وتجبّر، وقتل خلقا ممّن حاربه. وكان الوليد بن دومغ العمليقي قد خرج في جيش كثيف، فبعث غلاما يقال له فرعون إلى مصر ففتحها، ثم قدم بعده واستباح أهل مصر وأخذ أموالهم، ثم خرج ليقف على مصبّ النّيل فرأى جبل القمر، وأقام في غيبته أربعين سنة
(a) بولاق: جورياق. (b) بولاق: زلفي. (c) بولاق: مأمون. (d) بولاق: أيمن. (١) سيأتي هذا الخبر فيما يلي ٣٩٦ - ٣٩٧. (٢) النويري: نهاية ١٠٧: ١٥؛ ويرى أحمد كمال باشا أن حوريا هذه يقصد بها الملكة المصرية حتشبسوت! (٣) بعد ذلك عند النويري: يطلب بثأر خاله انداخس. (٤) النويري: نهاية ١١٣: ١٥.