للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلمّا انتبه عمل ما أمره أبوه، فلمّا قعد بجانب المرأة وسلّم، قالت له: أتعرفني؟ قال: لا؛ قالت: أنا صورة النّار المعبودة في الأمم الخالية، وقد أردت أن تحيي ذكري، وتجدّد لي بيتا تقد لي فيه نارا دائمة بقدر واحد، وتتّخذ لها عيدا في كلّ سنة تحضره أنت وقومك، فإنّك تتّخذ بذلك عندي يدا أنيلك بها شرفا إلى شرفك (a)، وملكا إلى ملكك، وأمنع عنك من يطلبك بسوء، وأدلّك على كنوز جدّك مصرام.

فضمن لها أن يفعل كلّ ما أمرته به، فدلّته على الكنوز التي تحت المدائن المعلّقة، وعلّمته كيف يصير إليها وكيف يحترس من الأرواح الموكّلة بها وما ينجيه منها. ثم قال لها: كيف لي بأن أراك في وقت آخر؟ قالت: لا تعد، فإنّ الأفعى لا تمكّنك، ولكن بخّر في بيتك بكذا فإنّي آتيك؛ فسرّ بذلك، وغابت عنه، وخرج، ففعل ما أمرته به من عمل بيت النار، وأخذ كنوز مصرام (١).

ولمّا مات جعل في ناووس ومعه سائر أمواله (a) وكنوزه، وجعل عليه طلّسم يحفظه ممّن يقصده.

وملك بعده ابنه سوريد، وكان حكيما فاضلا، وهو أوّل من جبى الخراج بمصر، وأوّل من أمر بالإنفاق على المرضى والزّمنى من خزائنه، وأوّل من سنّ رقعة الصّباح؛ وعمل أعمالا عجيبة، منها مرآة من أخلاط كان ينظر فيها إلى الأقاليم فيعرف فيها ما حدث من الحوادث، وما يخصب منها وما يجدب. وأقام هذه المرآة في وسط مدينة أمسوس، وكانت من نحاس (٢).

وعمل في أمسوس صورة امرأة جالسة في حجرها صبيّ ترضعة، وكانت المرأة من نساء مصر إذا أصابتها علّة في موضع من جسمها أتت هذه الصّورة ومسحت ذلك الموضع من جسدها بمثل ذلك الموضع من الصّورة فتزول عنها العلّة، وإن قلّ لبنها مسحت ثديها بثدي الصّورة فيغزر لبنها، وإن قلّ حيضها مسحت فرجها بفرج الصّورة فيكثر حيضها، وإن كثر دمها مسحت أسفل ركبها بمثل ذلك من الصّورة، وإن عسرت ولادة امرأة مسحت رأس الصّبي الذي في حجر الصّورة فتضع حملها، وإن أرادت التّحبّب إلى زوجها مسحت وجهها وتقول افعلي كذا وكذا،


(a) ساقطة من الأصل.
(١) النويري: نهاية الأرب ١٧: ١٥ - ١٨.
(٢) نفسه ٢٠: ١٥ - ٢١.