للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وملك بعده أخوه نمرود الجبّار، ويقال شمرود بن هوصال، فأحسن السّيرة وأنصف الرّعيّة وبسط العدل، وجمع إخوته وفرّق عليهم كنوز أخيهم، فسرّ الناس به؛ وطلب امرأة أخيه السّاحرة ففرّت (a) بابنها إلى مدينة ببلاد الصّعيد، وامتنعت عليه بسحرها، وأقامت مدّة، فاجتمع (b) السّحرة إلى ابنها - وكان اسمه توميدون (١) - وحملوه على طلب الملك، فسار وخرج إليه شمرود وإخوته، فاقتتلوا قتالا عظيما كان فيه الظّفر لتوميدون فقتله، وملك من بعده (٢).

فقام توميدون بن تدرسان بالملك في مدينة أمسوس، وكان عالما فاضلا، فتقوّى بسحر أمّه، وعملت له أعمالا عجيبة، منها قبّة من زجاج على هيئة الكرة، تدور بدوران الفلك، وصوّرت فيها صور الكواكب، فكانوا يعرفون بها أسرار الطّبائع وعلوم العالم.

فلمّا ماتت أمّه السّاحرة بعد ستين سنة من ملكه، طلى جسدها بما يدفع عنه النّتن والحشرات، ودفنت تحت صنم القمر. ويقال إنّها كانت بعد موتها يسمع من عندها صوت بعض الأرواح، وتخبرهم بعجائب، وتجيب عمّا تسأل عنه.

ولمّا مات توميدون بعد مائة سنة من ملكه، عمل له صورة من زجاج مقسومة نصفين، وأدخل فيها بعدما طلي بالأدوية المانعة من النّتن، وأطبقت الصّورة عليه حتى التحمت، وأقيم في هيكل الأصنام، ودفنت كنوزه عنده، وصار يعمل له في كلّ سنة عيد (٣).

وملك بعد ابنه شرياق، ويقال له شرناق، وكان كأبيه في علم الكهانة والسّحر والطّلّسمات، فعمل أعمالا عجيبة، منها على باب مدينة أمسوس هيئة بطّة من نحاس قائمة على أسطوانة إذا دخل غريب من ناحية من النّواحي صفّقت بجناحيها وصرخت، فيؤخذ ذلك الغريب ويكشف أمره حتى يعرف فيما قدم. وشقّ من النّيل نهرا يمرّ إلى مدائن الغرب، وبنى عليه أعلاما ومدنا ومتنزّهات (٤).

وسار ملك من بني مراشي (c) بن آدم، ويقال من بني صواثيني بن آدم، خرج من ناحية العراق في أيّامه، وغلب على بلاد الشّام، وقصد مصر ليأخذ ملكها فقيل له إنّك لا تقدر عليها لسحر


(a) بولاق: ففرت منه.
(b) بولاق: واجتمع.
(c) بولاق: فراشي.
(١) اقترح فييت أن صحة اسمه: بوسيدون.
(٢) النويري: نهاية الأرب ١٣: ١٥؛ المسعودي: أخبار الزمان ١٢٢؛ القلقشندي: صبح ٤٠٧: ٣.
(٣) نفسه ١٣: ١٥ - ١٤؛ وقارن المسعودي: أخبار ١٢٢ - ١٢٣.
(٤) نفسه ١٥: ١٥، ١٦؛ المسعودي: أخبار ١٢٣، ١٢٥.