وقال ابن خرداذبه (١): من عجيب البنيان أنّ الهرمين بمصر سمك كلّ واحد منهما أربع مائة ذراع، وكلّما ارتفع دقّ، وهما من رخام ومرمر، والطّول أربع مائة ذراع في عرض أربع مائة ذراع، مكتوب عليها بالمسند (a) كل سحر وكلّ عجيب من الطّبّ، ومكتوب عليهما: إنّي بنيتهما، فمن يدّعي قوّة في ملكه فليهدمهما، فإنّ الهدم أيسر من البناء. فاعتبر ذلك، فإذا خراج الدّنيا لا يفي بهدمها.
وقال في كتاب «عجائب البنيان»(٢) عن الأهرام: قد انفردت مصر بهذه الأشكال، فليس لها نظير من مثال (b)، يظنّها النّاظر للديار المصرية نهدين، ويحسبهما المتأمّل (c) أنّ مكارم أهلها قد أعدّتها للتكرّم أبلوجين، تراهما العين على بعد المسافة، وإذا حدّثت عن عجائبهما يظنّ أنّه حديث خرافة.
وقد أكثر الناس في ذكر الأهرام ووصفها ومساحتها، وهي كثيرة العدد جدّا، وكلّها ببرّ الجيزة على سمت مصر القديمة، تمتدّ نحوا من مسافة ثلاثة أيام. وفي بوصير منها شيء كثير.
وقد كان منها بالجيزة عدد كثير كلّها صغار، هدمت في زمن السّلطان صلاح الدين يوسف ابن أيّوب على يد الطّواشي بهاء الدّين قراقوش، أخذ حجارتها وبنى بها القناطر في الجيزة، وقد بقي من هذه الأهرام المهدومة تلّها (٣).
وأمّا (٤) الأهرام المتحدّث عنها، فهي ثلاثة أهرام، موضوعة على خطّ مستقيم بالجيزة قبالة الفسطاط، وبينها مسافات كثيرة وزوايا متقابلة نحو الشّرق. واثنان عظيمان جدّا في قدر واحد،
(a) بولاق: باليد. (b) بولاق: بغيرها تمثال. (c) بولاق: القابل. (١) ابن خرداذبه: المسالك والممالك ٥٩. (٢) هذا الكتاب نسبه المقريزي (فيما يلي ٦٢١، ٢٠٤: ٢) إلى المؤرخ ناصر الدين شافع بن عليّ بن عباس سبط القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر، المتوفى سنة ٧٣٠ هـ/ ١٣٣٠ م، الذي يبدو أنه اعتمد في وصف المنشآت والآثار القديمة على كتاب «الإفادة والاعتبار» لعبد اللطيف بن يوسف البغدادي، فما ينسب إليه يوجد نصّا في كتاب «الإفادة والاعتبار». (٣) انظر فيما تقدم ٣٠٠ وفيما يلي ١٥١: ٢. (٤) من هنا يتفق نص «عجائب البنيان» مع نص «الإفادة والاعتبار» لعبد اللطيف البغدادي.