للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مالها. قال: ثم ماذا؟ قالوا: يقصدها قوم مشوّهون من ناحية جبل النيل، ويملكون أكثرها، قال: ثم ماذا؟ قالوا: ينقطع نيلها، وتخلو من أهلها.

فأمر عند ذلك بعمل الأهرام، وأن يعمل لها مسارب يدخل منها النّيل إلى مكان بعينه، ثم يفيض إلى مواضع من أرض المغرب وأرض الصّعيد، وملأها طلسمان وعجائب وأموالا وأصناما وأجساد ملوكهم، وأمر الكهّان فزبروا عليها جميع ما قالته الحكماء، وزبر فيها وفي سقوفها وحيطانها وأسطواناتها جميع العلوم الغامضة التي يدّعيها أهل مصر، وصوّر فيها صور الكواكب كلّها، وزبر عليها أسماء العقاقير ومنافعها ومضارّها، وعلم الطّلّسمات وعلم الحساب والهندسة وجميع علومهم مفسّرا لمن يعرف كتابتهم ولغتهم.

ولمّا شرع في بنائها أمر بقطع الأسطوانات العظيمة، ونشر البلاطات الهائلة (a)، واستخراج الرّصاص من أرض المغرب، وإحضار الصّخور من ناحية أسوان. فبنى بها أساس الأهرام الثلاثة الشّرقي والغربي والملوّن، وكانت لهم صحائف وعليها كتابة، إذا قطع الحجر وتمّ إحكامه، وضعوا عليه تلك الصّحائف وضربوه، فيبعد بتلك الضّربة قدر مائة سهم، ثم يعاودون ذلك حتى يصل الحجر إلى الأهرام. وكانوا يمدّون البلاطة ويجعلون في ثقب بوسطها قطبا من حديد قائما، ثم يركّبون عليها بلاطة أخرى مثقوبة الوسط ويدخلون القطب فيها، ثم يذاب الرّصاص ويصبّ في القطب حول البلاطة بهندام وإتقان إلى أن كملت (١).

وجعل لها أبوابا تحت الأرض بأربعين ذراعا (٢): فأمّا باب الهرم الشّرقي، فإنّه من الناحية الشّرقية على مقدار مائة ذراع من وسط حائط الهرم. وأمّا باب الهرم الغربي، فإنّه من الناحية الغربية على مقدار مائة ذراع من وسط الحائط. وأمّا باب الهرم الملوّن، فإنّه من الناحية الجنوبية على مقدار مائة ذراع من وسط الحائط. فإذا حفر بعد هذا القياس، وصل إلى باب الأزج المبني، ويدخل إلى باب الهرم.


(a) بولاق: البلاط الهائل.
(١) الإدريسي: أنوار علوي الأجرام ١٢١؛ النويري: نهاية الأرب ٢٤: ١٥ وقارن أبا المحاسن: النجوم الزاهرة ٣٨: ١ - ٣٩.
(٢) هنا فقرة عن أبواب الأهرام عند الإدريسي والنويري، نقلها المقريزي فيما يلي ٣١٧.