فبلغت الجوالي في سنة ستّ عشرة وثمان مائة: أحد عشر ألف دينار وأربع مائة دينار، سوى ما غرم للأعوان، وهو قدر كثير.
وأمّا «المراعي» - وهو الكلأ المطلق المباح الذي أنبته اللّه تعالى لرعي دوابّ بني آدم - فأوّل من أدخلها الدّيوان بمصر أحمد بن مدبّر، لمّا ولي الخراج، وصيّر لذلك ديوانا وعاملا جلدا يحظر على الناس أن يتبايعوا المراعي أو يشتروها إلاّ من جهته.
وأدركنا المراعي ببلاد الصّعيد ممّا يضاف إلى الإقطاعات، فيأخذ الأمير ممّن يرعى دوابّه في أرض بلده الكتّيح (١) في كلّ سنة مالا عن كلّ رأس، فيجبى من صاحب الماشية بعدد أنعامه؛ فلمّا اختلّ أمر الصّعيد في الحوادث الكائنة منذ سنة ستّ وثمان مائة، تلاشى الأمر في ذلك. وكانت العادة القديمة أن يندب للمراعي مشدّ وشهود وكاتب، فيعدّون المواشي، ويستخرجون من أربابها عن كلّ رأس شيئا، ولا يكون ذلك إلاّ بعد هبوط النّيل ونبات الكلأ واستهلاكه للمرعى.
وأمّا «المصايد» فهي ما أطعم اللّه ﷾ من صيد البحر؛ وأوّل من أدخلها الدّيوان أيضا ابن مدبّر، وصيّر لها ديوانا، واحتشم من ذكر المصايد وشناعة القول فيها، فأمر أن يكتب في الديوان خراج مضارب الأوتاد ومغارس الشّباك، فاستمرّ ذلك.
وكان يندب لمباشرتها مشدّ وشهود وكاتب إلى عدّة جهات، مثل خليج الإسكندرية، وبحيرة الإسكندرية، وبحيرة نسترو، وثغر دمياط، وجنادل ثغر أسوان، وغير ذلك من البرك والبحيرات، فيخرجون عند هبوط النّيل ورجوع الماء من المزارع إلى بحر النّيل بعد ما تكون أفواه التّرع قد سكّرت، وأبواب القناطر قد سدّت عند انتهاء زيادة النّيل، كيما يتراجع/ الماء ويتكاثف ممّا يلي المزارع.
ثم تنصب شباك وتصرف المياه، فيأتي السّمك وقد اندفع مع الماء الجاري، فتصدّه الشّباك عن الانحدار مع الماء ويجتمع فيها ليخرج إلى البرّ ويوضع على أنخاخ، ويملّح ويوضع في الأمطار، فإذا استوى أبيع وقيل له «الملّوحة والصّير»، ولا يكون ذلك إلاّ فيما كان من السّمك في قدر الأصبع فما دونه، ويسمّون هذا الصّنف إذا كان طريّا «إبسارية» فتؤكل مشويّة ومقلوّة.
ويصاد من بحيرة نسترو وبحيرة تنّيس وبحيرة الإسكندرية أسماك تعرف بالبوري: وقيل لها ذلك لأنّها كانت تصاد عند قرية من قرى تنّيس يقال لها بورة، وقد خربت، والنّسبة إليها
(١) نبات تستغني به الخيل والدّواب والماشية عن البرسيم (النويري: نهاية الأرب ٢٤٧: ٨).