وقال في «متجدّدات» سنة اثنتين وتسعين وخمس مائة: وآل الأمر إلى وقوف وظيفة الدار العزيزية من خبز ولحم إلى أن يتحمّل في بعض الأوقات لا كلّها لبعض ما يتبلّغ به من خبز، وكثر ضجيجهم وشكواهم فلم يسمع ووقف الحال فيما ينفق في دار السّلطان، وفيما يصرف إلى عياله، وفيما يقتات به أولاده، وما يغصب من أربابه، وأفضى هذا إلى غلاء الأسعار، فإنّ المتعيّشين من أرباب الدّكاكين يزيدون في أسعار المأكولات العامّة مقدار (a) ما يؤخذ منهم للدار السّلطانيّة، فأفضى ذلك إلى النّظر في المكاسب الخبيثة.
وضمن باب (b) المزر والخمر باثني عشر ألف دينار، وفسح في إظهار منكره والإعلان به والبيع له في القاعات والحوانيت مع قرب استهلال رجب، وما استطاع أحد من العامّة الإنكار لا باليد ولا باللّسان، وصار هذا السّحت ممّا ينفرد السّلطان به لنفقته وطعامه، وانتقل مال الثّغور ومال الجوالي الحلّ الطّيب، إلى أن يصير حوالات لمن لا يبالي من أين أخذ المال، ولا يفرّق بين الحرام والحلال (١).
وفي شهر رمضان غلا سعر الأعناب لكثرة العصير منها، وتظاهر به أربابه لتحكير تضمينه السّلطاني، واستيفاء رسمه بأيدي مستخدميه. وبلغ ضمانه سبعة عشر ألف دينار، وحصل منه شيء حمل إليه. فبلغني أنّه صنع به آلات الشّراب ذهبيّات وفضّيّات.
وكثر اجتماع النّساء والرّجال في شهر رمضان - لا سيما على الخليج لمّا فتح، وعلى مصر لمّا زاد الماء، وتلقى فيه النّيل بمعاص نسأل اللّه ألا يؤاخذنا بها، وألاّ يعاقبنا عليها بجراءة أهلها (٢).
وقال جامع «السّيرة التّركيّة»: ولمّا استقلّ الملك المعزّ عزّ الدين أيبك التّركماني الصّالحي بمملكة مصر في سنة خمسين وستّ مائة - بعد انقراض دولة بني أيّوب - استوزر شخصا من نظّار الدّواوين يعرف بشرف الدين هبة اللّه بن صاعد الفائزي، أحد كتّاب الأقباط - وكان قد أظهر الإسلام من أيّام الملك الكامل وترقّى في خدمة الكتابة - فقرّر في وزارته أموالا على التّجّار وذوي اليسار وأرباب العقار، ورتّب مكوسا وضمانات سمّوها «حقوقا ومعاملات»(٣).
(a) بولاق: بمقدار. (b) ساقطة من بولاق. (١) المقريزي: السلوك ١٣٤: ١. (٢) نفسه ١٣٦: ١. (٣) جامع «السيرة التركية» هو الأمير ركن الدين بيبرس المنصوري الدّوادار، والنّصّ موجود في كتابه «زبدة الفكرة