للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقارنة بوضع القاهرة بين سنتي ١٩٣٣ و ١٩٤٥ م، وهي الفترة التي كتب فيها رمزي بك تعليقاته، فقد طرأت على القاهرة تغييرات ضخمة منذ كتبت هذه التّحديدات، بحيث أنّ الكثير من نقاط الاستدلال التي ذكرها قد ضاعت اليوم.

وذلك بالإضافة إلى نشر أكبر قدر ممكن من «حجج الأوقاف» المتعلّقة بالمنشآت الدينية وذات الطّابع الاجتماعي، كالمساجد والمدارس والخوانق والدّور والحمّامات والوكالات والخانات والقياسر والفنادق.

فعند اكتمال هذا المشروع - الذي يتطلّب تضافر جهود فريق من الباحثين المتخصّصين - عندئذ فقط يمكننا كتابة تاريخ كامل وحقيقي لعاصمة مصر الإسلامية.

ووجّهت إليّ لجنة المناقشة سؤالا حول الأسلوب الذي يمكن أن نحقّق به هذه الغاية، وكانت إجابتي هي إعداد جيل من شباب الباحثين يدرّب على كيفية التّعامل مع النّصوص القديمة قراءة وتحقيقا ونشرا، يشرف عليه أساتذة متخصّصون في مجال التاريخ والآثار والعمران المدني. وبعد عودتي إلى مصر لم أتمكّن من وضع هذه الفكرة الطّموح موضع التّنفيذ، لأسباب ليس هنا مجال الحديث عنها، وقرّرت أن أتولّى بنفسي وبقدر ما يتاح لي من وقت العمل على تنفيذها. ففي أثناء اشتغالي بنشر مصادر تاريخ مصر في العصر الفاطمي - التي أخرجت منها نصوصا لكلّ من المسبّحي وابن ميسّر وابن المأمون وابن الصّيرفي وابن الطّوير وابن عبد الظّاهر، أتاحت لي الفرصة لتقديم تفسير جديد لتاريخ الدولة الفاطمية في مصر، اعتمادا على هذه المصادر الجديدة، (صدر في طبعتين ١٩٩٢، ٢٠٠٠ م)، وكذلك أثناء كتابة أطروحتي في جامعة باريس، كان كتاب «الخطط» للمقريزي مصدرا لا غنى عنه لي في تقويم هذه النّصوص واستكمالها - وكلّها من مصادر المقريزي في الخطط - كما أنّه بفضل المعلومات الغنيّة التي وفّرها لنا المقريزي والتي لا نجدها في أي مصدر آخر، لم يكن من الممكن لدراستي عن العاصمة المصرية أن تتحقّق على الوجه الأكمل.

ووجدت أنّ اعتماد الباحثين - منذ ماكس فان برشم ومرورا ببول رافيس وبول كازانوفا وجورج سالمون وكريزويل وحتى حسن عبد الوهاب وأحمد فكري وسعاد ماهر وجان كلود جارسان وأندريه ريمون - على نشرة بولاق التي صدرت في سنة ١٨٥٣ هـ قد أوقعهم في كثير من الأخطاء التاريخية وجعل بعض أحكامهم يجانبها الصّواب، نظرا لكمّ التّصحيف