للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصعد عمر المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال: أيّها الناس قد جاءنا مال كثير، فإن شئتم كلنا لكم كيلا، وإن شئتم عددنا لكم عدّا. فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، قد رأيت الأعاجم يدوّنون ديوانا لهم، فدوّن أنت ديوانا، فدوّن عمر (١).

وقيل: بل سببه أنّ عمر بعث بعثا وعنده الهرمزان، فقال لعمر: هذا بعث قد أعطيت أهله الأموال، فإن تخلّف منهم رجل من أين يعلم صاحبك به؟ فأثبت لهم ديوانا؛ فسأله عن الدّيوان حتى فسّره له. فاستشار المسلمين في تدوين الدّواوين، فقال له عليّ بن أبي طالب: تقسم كلّ سنة ما اجتمع عندك من المال، ولا تمسك منه شيئا. وقال عثمان، : أرى مالا كثيرا يسع الناس، فإن لم يحصوا حتى يعرف من أخذ ممّن لم يأخذ خشيت أن ينتشر الأمر.

وقال خالد بن الوليد، : قد كنت بالشّام فرأيت ملوكها دوّنوا ديوانا وجنّدوا جنودا، فدوّن ديوانا وجنّد جنودا؛ فأخذ بقوله ودعا عقيل بن أبي طالب ومخرمة بن نوفل وجبير ابن مطعم - وكانوا كتّاب قريش - فقال: اكتبوا الناس على منازلهم، فبدءوا ببني هاشم وكتبوهم، ثم أتبعوهم أولاد أبي بكر وقومه، ثم عمر وقومه، وكتبوا القبائل ووضعوها على الخلافة، ثم رفعوا ذلك إلى عمر فلمّا نظر فيه قال: لا! ولكن ابدأوا بقرابة رسول اللّه ، الأقرب فالأقرب، حتى تضعوا عمر حيث وضعه اللّه. فشكره العبّاس على ذلك، وقال: وصلتك رحم (a) (٢).

وقد اختلف في السّنة التي فرض فيها عمر الأعطية ودوّن الدّواوين، فقال الكلبي: في سنة خمس عشرة. وحكى ابن سعد عن عمر الواقدي أنّه جعل ذلك في سنة عشرين. قال الزّهريّ: وكان ذلك في المحرّم سنة عشرين من الهجرة.

وقيل: لمّا فتح اللّه على المسلمين القادسيّة، وقدمت على عمر الفتوح من الشّام، جمع المسلمين وقال: ما يحلّ للوالي من هذا المال؟ فقالوا جميعا: أمّا لخاصّته (b) فقوته وقوت عياله لا وكس ولا شطط، وكسوته وكسوتهم للشّتاء والصّيف، ودابّتان إلى جهاده وحوائجه وحملانه إلى حجّه (c) وعمرته، والقسم بالسّويّة، وأن يعطى أهل البلاء على قدر


(a) بولاق: وصلت رحمك.
(b) بولاق: الخاصة.
(c) بولاق: حجته.
(١) ابن سعد: الطبقات الكبرى ٣٠٠: ٣؛ النويري: نهاية ١٩٧: ٨؛ القلقشندي: صبح الأعشى ١٠٦: ١٣.
(٢) النويري: نهاية ١٩٧: ٨ - ١٩٨؛ القلقشندي: صبح الأعشى ١٠٦: ١٣ - ١٠٧.