الحكم، فاعتدّ منها بما كان يصرف في كلف حمل الغلال من النّواحي إلى ساحل القاهرة وما كان عليها من المكس (١).
وأبطل السّلطان عدّة مكوس (٢) منها «مكس ساحل الغلّة»، وكان جلّ متحصّل الدّيوان، وعليه إقطاعات الأمراء والأجناد، ويتحصّل منه في السنة أربعة آلاف ألف وستّ مائة ألف درهم، وعليه أربع مائة مقطع لكلّ منهم من عشرة آلاف إلى ثلاثة آلاف، ولكلّ من الأمراء من أربعين ألفا إلى عشرة آلاف. وكانت جهة عظيمة لها متحصّل كثير جدّا، وينال القبط/ منها منافع كثيرة لا تحصى، ويحلّ بالناس من ذلك بلاء شديد وتعب عظيم من المغارم والظّلم، فإنّ مظالمها كانت تتعدّد ما بين نواتيّة تسرق وكيّالين تبخس وشادّين وكتّاب يريد كلّ منهم شيئا، وكان مقرّر الأردبّ درهمين للسّلطان ويلحقه نصف درهم، غير ما ينهب ويسرق. وكان لهذه الجهة مكان يعرف ب «خصّ الكيّالة» في ساحل بولاق، يجلس فيه شادّ وستون متعمّما ما بين كتّاب ومستوفين وناظر ومعنى (a) وثلاثون جنديّا مباشرون، ولا يمكن أحدا من الناس أن يبيع قدحا من غلّة في سائر النّواحي، بل تحمل الغلاّت حتى تباع في خصّ الكيّالة ببولاق.
وممّا أبطل أيضا «نصف السّمسرة»: وهو عبارة عن أن من باع شيئا من الأشياء فإنّه يعطي أجرة الدّلاّل - على ما تقرّر من قديم - عن كلّ مائة درهم درهمين، فلمّا ولي ناصر الدين الشّيخي الوزارة قرّر على كلّ دلاّل من دلالته درهما من كلّ درهمين، فصار الدّلاّل يعمل معدّله ويجتهد حتى ينال عادته وتصير الغرامة على البائع، فتضرّر الناس من ذلك وأوذوا فلم يغاثوا حتى أبطل ذلك السّلطان.
وممّا أبطل «رسوم الولاية» وكانت جهة تتعلّق بالولاة والمقدّمين فيجبيها المذكورون من عرفاء الأسواق وبيوت الفواحش، ولهذه الجهة ضامن وتحت يده عدّة صبيان وعليها جند مستقطعون وأمراء وغيرهم، وكانت تشتمل على ظلم شنيع وفساد قبيح وهتك قوم مستورين وهجم بيوت أكثر الناس.
وممّا أبطل «مقرّر الحوائص والنّعال» (a) من المدينة وسائر أعمال مصر كلّها من الوجه القبلي
(a) ساقط من بولاق. (١) أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٤٣: ٩ - ٤٤. (٢) عن المكوس التي أبطلها الملك الناصر محمد بن قلاوون انظر كذلك النويري: نهاية الأرب ٢٢٧: ٣٢ - ٢٢٩؛ ابن حبيب: تذكرة النبيه ٦٩: ٢؛ المقريزي: السلوك ١٥٠: ٢ - ١٥٤؛ أبا المحاسن، النجوم الزاهرة ٤٥: ٩ - ٤٨.