قال: ويقال بل كان موقدا يوقد فيه لفرعون إذا هو ركب من منف إلى عين شمس. وكان على المقطّم موقد آخر، فإذا رأوا النار علموا بركوبه فأعدّوا له ما يريد، وكذلك إذا ركب منصرفا من عين شمس، واللّه أعلم (١).
وما أحسن قول كشاجم (٢):
[الطويل]
سلام على دير القصير وسفحه … بجنّات حلوان إلى النخلات
منازل كانت لي بهنّ مآرب … وكنّ مواخيري ومنتزهاتي
إذا جئتها كان الجياد مراكبي … ومنصرفي في السّفن منحدرات
/ فأقبض بالأسحار وحشيّ عينها … وأقتنص الإنسيّ في الظّلمات
معي كلّ بسّام أغرّ مهذّب … على كلّ ما يهوى النديم مواتي
كأنّ قضيب البان عند اهتزازه … تعلّم من أعطافه الحركات
هنالك تصفو لي مشارب لذّتي … وتصحب أيّام السّرور حياتي
وقال علماء الأخبار من النصارى: إنّ أرقاديوس، ملك الرّوم، طلب أرسانيوس ليعلّم ولده، فظنّ أنّه يقتله، ففرّ إلى مصر وترهّب، فبعث إليه أمانا، وأعلمه أنّ الطلب من أجل تعليم ولده، فاستعفى وتحوّل إلى الجبل المقطّم شرقي طرا، وأقام في مغارة ثلاث سنين ومات. فبعث إليه أرقاديوس، فإذا هو قد مات، فأمر أن يبنى على قبره كنيسة (٤). وهو المكان المعروف بدير القصير، ويعرف الآن ب «دير البغل»، من أجل أنّه كان به بغل يستقى عليه الماء، فإذا خرج من الدّير أتى الموردة هناك من يملأ عليه؛ فإذا فرغ من الماء تركه فعاد إلى الدّير (٥).
وفي رمضان سنة أربع مائة أمر الحاكم بأمر اللّه بهدم دير القصير، فأقام الهدم والنهب فيه مدّة أيّام (٦).
(١) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ١٥٧ - ١٥٨. (٢) انظر ديوان كشاجم، دراسة وشرح وتحقيق النبوي عبد الواحد شعلان، القاهرة - مكتبة الخانجي ١٩٩٧، ٥٤. (٣) ياقوت: معجم البلدان ٥٢٧: ٢. (٤) سعيد بن البطريق: التاريخ المجموع ١٥٢، ونشرة Breydy ٨٩؛ والنصّ عند ابن البطريق غنيّ بالتفصيلات، وانظر كذلك فيما تقدم ١٤: ٩٨٦. (٥) انظر كذلك فيما تقدم ١٩٢: ١، وهذا المجلد ٧٠٧، ٩٨٦. (٦) المقريزي: اتعاظ الحنفا ٨١: ٢؛ بينما يذكر يحيى ابن سعيد: تاريخ ٣٥٤ - ٣٥٥، أنّ الحاكم بأمر اللّه أذن بتجديد عمارة هذا الدّير؟