عليهم من تمكين النصارى من ركوب الخيل، وتسلّطهم على المسلمين وإذلالهم إيّاهم، وأنّ الواجب إلزامهم الصّغار وحملهم على العهد الذي كتبه أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب، ﵁(١). فمالوا إلى قوله، وطلبوا بطرك النصارى وكبراءهم وديّان اليهود.
فجمعت نصارى كنيسة المعلّقة، ونصارى دير البغل ونحوهم، وحضر كبراء اليهود والنصارى، وقد حضر القضاة الأربعة، وناظروا النصارى واليهود. فأذعنوا إلى التزام «العهد العمري»، وألزم بطرك النصارى طائفته النصارى بلبس العمائم الزّرق، وشدّ الزّنار في أوساطهم، ومنعهم من ركوب الخيل والبغال، والتزام الصّغار، وحرّم عليهم مخالفة ذلك أو شيء منه، وإنّه بريء من النصرانية إن خالف (٢). ثم اتّبعه ديّان اليهود بأن أوقع الكلمة على من خالف من اليهود ما شرط عليه من لبس العمائم الصّفر والتزام/ «العهد العمري»، وكتب بذلك عدّة نسخ سيّرت إلى الأعمال (٣).
فقام المغربي في هدم الكنائس. فلم يمكّنه قاضي القضاة تقيّ الدّين محمد بن دقيق العيد من ذلك، وكتب خطّه بأنّه لا يجوز أن يهدم من الكنائس إلاّ ما استجدّ بناؤه. فغلّقت عدّة كنائس بالقاهرة ومصر مدّة أيّام فسعى بعض أعيان النصارى في فتح كنيسة حتّى فتحها. فثارت العامّة،
(١) من بين ما قاله لهم: «كيف ترجون النصر والنصارى تركب عندكم الخيول وتلبس العمائم البيض، وتذلّ المسلمين وتمشيهم في خدمتهم؟» (المقريزي: السلوك ٩١٠: ١). (٢) حاشية بخطّ المؤلّف: «الأصل في تعبير الذّمّة منهم أنّ سعد بن أبي وقّاص استخلف خالد بن عرفطة على الكوفة، فأسلمت امرأة فأتته فذكرت أنّ زوجها يضربها على أن تعود إلى النصرانية وأقامت على ذلك بيّنة؛ فضربه خالد وحلّفه وفرّق بينها وبينه. فأتى النصراني عمر بن الخطّاب فشكا خالدا، فأشخص عمر خالدا إليه فأخبره أنّه نصراني وقصّ عليه قضيّته، فقال عمر: «الحكم ما حكمت فيه»، وكتب إلى الأمصار أن تجزّ نواصيهم، وأن لا يلبسوا ملابس المسلمين حتى يعرفوا». وراجع كذلك، ابن قيّم الجوزية: أحكام أهل الذّمّة، تحقيق صبحي الصّالح، دمشق ١٩٦١؛ النابلسي: تجريد سيف الهمّة لاستخراج ما في ذمّة أهل الذّمّة، نشر كلود كاهن أقساما منه بعنوان إضافة إلى كتاب تريتون: أهل الذمة في الإسلام، ترجمة حسن حبشي، القاهرة ١٩٦٧. (٣) تناول دراسة «العهد العمري» والشّروط الواردة فيه، العديد من المصادر المتقدّمة والدّراسات الحديثة، وهي بين مثبت له أو منكر له، وقد أوجز هذه الدّراسات وعلّق عليها عبادة عبد الرحمن كحيلة في كتابه: عهد عمر … قراءة جديدة، القاهرة ١٩٩٦.