للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتى نروح إليه». فغلب بيدرا الضّحك، وقال له: ويلك أنحن نختار غير دين الإسلام؟ فقال:

يا خوند ما نعرف، قولوا ونحن نتبعكم.

فأحضر العدول واستسلمهم، وكتب بذلك شهادات عليهم، ودخل بها على السّلطان.

فألبسهم تشاريف، وخرجوا إلى مجلس الوزير الصّاحب شمس الدّين محمد بن السّلعوس. فبدأ بعض الحاضرين بالمكين بن السّقاعي وناوله ورقة ليكتب عليها، وقال: يا مولانا القاضى اكتب على هذه الورقة، فقال: يا بني ما كان لنا هذا القضاء في خلد. فلم يزالوا في مجلس الوزير إلى العصر، فجاءهم الحاجب وأخذهم إلى مجلس النائب، وقد جمع به القضاة، فجدّدوا إسلامهم بحضرتهم.

فصار الذّليل منهم بإظهار الإسلام عزيزا، يبدي من إذلال المسلمين، والتّسلّط عليهم بالظّلم، ما كان تمنعه نصرانيته من إظهاره. وما هو إلاّ كما كتب به بعضهم إلى الأمير بيدرا النائب:

[الرمل]

أسلم الكافرون بالسّيف قهرا … وإذا ما خلوا فهم مجرمونا

سلموا من رواح مال وروح … فهم سالمون لا مسلمونا (١)

وفي أخريات شهر رجب سنة سبع مائة، قدم وزير متملّك المغرب إلى القاهرة حاجّا (٢)، وصار يركب إلى الموكب السّلطاني وبيوت الأمراء. فبينا هو ذات يوم بسوق الخيل تحت القلعة، إذا هو برجل راكب على فرس، وعليه عمامة بيضاء وفرجيّة مصقولة، وجماعة يمشون في ركابه، وهم يسألونه ويتضرّعون إليه ويقبّلون رجليه، وهو معرض عنهم وينهرهم، ويصيح بغلمانه أن يطردوهم عنه. فقال له بعضهم: يا مولاي الشّيخ بحياة ولدك النشو تنظر في حالنا. فلم يزده ذلك إلاّ عتوّا وتحامقا. فرقّ المغربي لهم، وهمّ بمخاطبته في أمرهم، فقيل له وإنّه مع ذلك نصراني. فغضب لذلك، وكاد أن يبطش به، ثم كفّ عنه وطلع إلى القلعة، وجلس مع الأمير سلار نائب السّلطان والأمير بيبرس الجاشنكير، وأخذ يحادثهم بما رآه وهو يبكي رحمة للمسلمين بما نالهم من قسوة النصارى. ثم وعظ الأمراء، وحذّرهم نقمة اللّه، وتسليط عدوّهم


(١) العيني: عقد الجمان ١٨١: ٣ - ١٨٥؛ Mounir Megally، CE art.Waqi؟ at al-Nasara VII، pp.
٢٣١٦ - ١٨.
(٢) كان سلطان المغرب وقتذاك الناصر لدين اللّه أبو يعقوب يوسف بن يعقوب المريني (٦٨٥ - ٧٠٦ هـ). (مجهول: تاريخ سلاطين المماليك ٩٨).