وكان القسّ قد ركب بكرة، ومعه الأساقفة وعالم كثير من النصارى، ليقدّموه بالمعلّقة بمصر وذلك يوم الأحد. فركب الملك الكامل بسحر كثير (a) من القلعة إلى أبيه بدار الوزارة من القاهرة حيث سكنه، وأوقف ولاية القسّ. فبعث السّلطان في طلب الأساقفة ليتحقّق الأمر منهم، فوافقهم (b) الرّسل مع القسّ في الطريق، فأخذوهم ودخل القسّ إلي كنيسة بوجرج التي بالحمراء (c)، وبطلت بطركيته، وأقامت مصر بغير بطرك تسع عشرة سنة ومائة وستين يوما (١).
ثم قدّم هذا القسّ (d) بطركا، في يوم الأحد تاسع عشرين شهر رمضان سنة ثلاث وثلاثين وستّ مائة، فأقام سبع سنين وتسعة أشهر وعشرة أيّام، ومات يوم الثلاثاء سابع عشر شهر رمضان سنة أربعين وستّ مائة، ودفن بدير الشّمع بالجيزة، وكان عالما بدينه، محبّا للرّياسة، وأخذ «الشّرطونيّة» في بطركيّته، وكانت الدّيارات بأرض مصر (e) قد خلت من الأساقفة، فقدّم جماعة أساقفة كثيرة بمال كثير أخذه منهم، وقاسى شدائد، ورافعه الرّاهب عماد المرشار (f)، ووكّل عليه وعلى أقاربه وألزامه، وساعده الرّاهب السّني ابن الثّعبان، وأشاع مثالبه، وقال: لا يصحّ له كهنوتيّة (g) لأنّه تقدّم بالرّشوة وأخذ «الشّرطونيّة». وجمع عليه طائفة كثيرة، وعقد مجلسا عند الصّاحب معين الدّين حسن بن شيخ الشّيوخ، في أيّام الملك الصّالح نجم الدّين أيّوب، وأثبت على البطرك قوادح، فقام الكتّاب النصارى في أمره مع الصّاحب، بمال يحمله إلى السّلطان، حتى استمرّ على بطركيته، وخلا كرسي البطاركة بعده سبع سنين وستّة أشهر وستة وعشرين يوما (٢).
ثم قدّم اليعاقبة أثناسيوس ابن القسّ أبي المكارم بن كليل بالمعلّقة، في يوم الأحد رابع شهر رجب سنة ثمان وأربعين وستّ مائة، وكمل بالإسكندرية، فأقام إحدى عشرة سنة وخمسة وخمسين يوما، ومات يوم الأحد ثالث (h) المحرّم سنة ستين وستّ مائة، فخلت مصر من البطركيّة خمسة وثمانين (i) يوما (٣).
(a) بولاق: بشجو كبير، وعند ابن العميد: باكرا جدّا. (b) بولاق: فواقهم. (c) بعد ذلك عند ابن العميد: عند السبع سقايات. (d) عند ابن العميد: قدّم أنبا كيرلص داود بن لقلق. (e) ابن العميد (مصدر النقل): وكانت الدّيار المصرية. (f) بولاق: المارشال. (g) بولاق: كهونية، ابن العميد: كهنوت. (h) ابن العميد: ثالث عشر. (i) ابن العميد: وثلاثين. (١) المكين بن العميد: أخبار الأيوبيين ١٢٨ - ١٢٩، وقارن مع ساويرس بن المقفع: تاريخ بطاركة الكنيسة ١٢٣: ٢/ ٣ - ١٣٠. (٢) نفسه ١٤٢. (٣) المكين بن العميد: أخبار الأيوبيين ١٦٢.