ثم قدّم اليعاقبة يوانس (a) بن أبي غالب بطركا، في يوم الأحد عاشر ذي الحجة سنة أربع وثمانين وخمس مائة، وكمل بالإسكندرية. فأقام ستّا وعشرين سنة وأحد عشر شهرا وثلاثة عشر يوما، ومات يوم الخميس رابع عشر شهر رمضان سنة ثنتي عشرة وستّ مائة بالمعلّقة بمصر، ودفن بالحبش (١).
وكان في ابتداء أمره تاجرا يتردّد إلى اليمن (b) في المتجر (c) حتى كثر ماله (٢)، وكان معه مال لأولاد الجبّاب (d)، فاتّفق أنه غرق في بحر الملح وذهب ماله، ونجا بنفسه إلى القاهرة، وقد أيس أولاد الجبّاب (d) من مالهم. فلمّا لقيهم أعلمهم أنّ مالهم قد سلم، فإنّه كان قد عمله في نقائر خشب مسمّرة في المركب، فصار لهم به عناية. فلمّا مات مرقص بن زرعة، سعى يوانس هذا للقسّ أبي ياسر،/ فقال له أولاد الجبّاب (d): خذ أنت البطركية ونحن نزكّيك، فوافقهم، وأقيم بطركا، فشقّ ذلك على أبي ياسر، وهجره بعد صحبة طويلة. وكان معه لمّا استقرّ في البطركيّة سبعة عشر ألف دينار مصرية أنفقها على الفقراء، وأبطل «الدّياريّة»، ومنع «الشّرطونيّة»، ولم يأكل لأحد من النصارى خبزا، ولا قبل من أحد هديّة (٢).
فلمّا مات قام أبو الفتوح نشو الخلافة (e) بن الميقاط، كاتب الجيش مع السّلطان الملك العادل أبي بكر بن أيّوب، في ولاية القسّ داود بن يوحنّا بن لقلق الفيّومي، فإنّه كان خصيصا به (٣).
فأجابه، وكتب توقيعه من غير أن يعلم الملك الكامل محمد ابن السّلطان، فشقّ ذلك على النصارى، وقام منهم الأسعد بن صدقة، كاتب دار التّفّاح بمصر، ومعه جماعة، وتوجّهوا سحرا ومعهم الشّموع إلى تحت قلعة الجبل - حيث كان سكن الملك الكامل - واستغاثوا به، ووقعوا في القسّ، وقالوا: لا يصلح، وفي شريعتنا أنّه لا يقدّم البطرك إلاّ باتّفاق الجمهور عليه. فبعث الملك الكامل يطيّب خواطرهم.
(a) النسخ وابن العميد: يونس. (b) عند ابن العميد: إلى بلاد الهند واليمن. (c) بولاق: البحر. (d) بولاق: الخباب. (e) بولاق: نشو الخليفة. (١) ساويرس بن المقفع: تاريخ بطاركة الكنيسة ٣/ ٩٨: ٢ - ١٣٢. (٢) عند ساويرس: «ذو مال ويسار من صباه، سار ذلك إليه من أبيه وأجداده. وكان له دار وكالة بمدينة مصر يتّجر فيها ويبيع ويشتري أصناف البضائع، وله سكّريّة لعمل السّكّر وطواحين وأملاك». (تاريخ بطاركة الكنيسة ٩٩: ٢/ ٣). (٣) المكين بن العميد: أخبار الأيوبيين ١٢٨ (مصدر المقريزي).