للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقدّم بعده اليعاقبة مرقص الجديد، فأقام عشرين سنة وسبعين يوما ومات. وفي أيّامه كانت الفتنة بين الأمين والمأمون، فانتهبت النصارى بالإسكندرية، وأحرقت لهم مواضع عديدة، وحرّقت ديارات وادي هبيب ونهبت، فلم يبق بها من رهبانها إلاّ نفر قليل. وفي أيّامه مضى بطرك الملكيّة إلى بغداد، وعالج بعض حظايا أهل الخليفة، فإنّه كان حاذقا بالطب، فلمّا عوفيت كتب له بردّ كنائس الملكيّة التي تغلّب عليها اليعاقبة بمصر، فاستردّها منهم، وأقام في بطركيّة الملكيّة أربعين سنة ومات (١).

ثم قدّم اليعاقبة بعد مرقص يعقوب، في سنة إحدى عشرة ومائتين، فأقام عشر سنين وثمانية أشهر ومات. وفي أيّامه/ عمّرت الدّيارات، وعاد الرّهبان إليها، وعمّرت كنيسة بالقدس لمن يرد من نصارى مصر، وقدم عليه ديونوسيس بطرك أنطاكية، فأكرمه حتّى عاد إلى كرسيه (٢).

وفي أيّامه انتقض القبط في سنة ستّ عشرة ومائتين. فأوقع بهم الأفشين حتى نزلوا على حكم أمير المؤمنين عبد اللّه المأمون، فحكم فيهم بقتل الرّجال، وبيع النساء والذّرّيّة، فبيعوا وسبي أكثرهم (٣).

ومن حينئذ ذلّت القبط في جميع أرض مصر، ولم يقدر أحد منهم بعد ذلك على الخروج على السّلطان، وغلبهم المسلمون على عامّة القرى؛ فرجعوا من المحاربة إلى المكايدة، واستعمال المكر والحيلة ومكايدة المسلمين، وعملوا كتّاب الخراج، فكانت لهم وللمسلمين أخبار كثيرة يأتي ذكرها إن شاء اللّه تعالى (٤).

ثم قدّم اليعاقبة سيماون بطركا في سنة اثنين وعشرين ومائتين، فأقام سنة ومات - وقيل بل أقام سبعة أشهر وستّة عشر يوما - فخلا كرسي البطاركة بعده سنة وسبعة وعشرين يوما (٥).

وقدّم اليعاقبة يوساب في دير بومقّار بوادي هبيب، في سنة سبع وعشرين ومائتين، فأقام ثماني عشرة سنة ومات. وفي أيّامه قدم مصر يعقوب مطران الحبشة، وقد نفته زوجة ملكهم وأقامت عوضه أسقفا، فبعث ملك الحبشة يطلب إعادته من البطرك، فبعث به إليه، وبعث أيضا


(١) سعيد بن البطريق: التاريخ المجموع ٥١: ٢ - ٥٢، وفيه أنّها حظيّة من أهل اليمن كانت للخليفة هارون الرّشيد؛ المكين بن العميد: تاريخ المسلمين ١٢٣.
(٢) المكين بن العميد: تاريخ المسلمين ١٤٠.
(٣) الكندي: ولاة مصر ٢١٥، ٢١٦؛ وفيما تقدم ٢١٣: ١.
(٤) فيما تقدم ٢١٤: ١.
(٥) المكين بن العميد: تاريخ المسلمين ١٤٤.