للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اليونان، وخرج يريد غزو الفرس، فمرّ على القدس، وخرج منه يريد عمان، فاجتاز على نابلس، وخرج إليه كبير السّمرة بها - وهو سنبلاط السّامري - فأنزله، وصنع له ولقوّاده وعظماء أصحابه صنيعا عظيما، وحمل إليه أموالا جمّة وهدايا جليلة، واستأذنه في بناء هيكل للّه على الجبل، الذي يسمّى عندهم «طور بريك»، فأذن له وسار عنه إلى محاربة دارا ملك الفرس. فبنى سنبلاط هيكلا شبيها بهيكل القدس ليستميل به اليهود، وموّه عليهم بأنّ «طور بريك» هو الموضع الذي اختاره اللّه تعالى، وذكره في التّوراة بقوله فيها «اجعل البركة على طور بريك».

وكان سنبلاط قد زوّج ابنته بكاهن من كهّان بيت المقدس يقال له منشّا، فمقت اليهود منشّا على ذلك، وأبعدوه وحطّوه عن مرتبته عقوبة له على مصاهرة سنبلاط. فأقام سنبلاط منشّا زوج ابنته كاهنا في هيكل طور بريك، وأتته طوائف من اليهود وضلّوا به، وصاروا يحجّون إلى هيكله في الأعياد، ويقرّبون قرابينهم إليه، ويحملون إليه نذورهم وأعشارهم، وتركوا قدس اللّه وعدلوا عنه. فكثرت الأموال في هذا الهيكل، وصار ضدّ البيت المقدّس،/ واستغنى كهنته وخدّامه، وعظم أمر منشّا، وكبرت حالته.

فلم تزل هذه الطائفة تحجّ إلى «طور بريك» حتى كان زمن هورقانوس بن شمعون الكوهن، من بني حثمتاي، في بيت المقدس. فسار إلى بلاد السّمرة، ونزل على مدينة نابلس، وحصرها مدّة وأخذها عنوة، وخرّب هيكل طور بريك إلى أساسه - وكانت مدّة عمارته مائتي سنة - وقتل من كان هناك من الكهنة. فلم تزل السّمرة بعد ذلك إلى يومنا هذا تستقبل في صلاتها - حيثما كانت من الأرض - طور بريك بجبل نابلس، ولهم عبادات تخالف ما عليه اليهود، ولهم كنائس في كلّ بلد تخصّهم.

والسّمرة ينكرون نبوّة داود ومن تلاه من الأنبياء، وأبوا أن يكون بعد موسى نبيّ، وجعلوا رؤساءهم من ولد هارون وأكثرهم يسكن في مدينة نابلس، وهم كثير في مدائن الشّام، ويذكر أنّهم الذين يقولون: «لا مساس» (١)، ويزعمون أنّ نابلس هي بيت المقدس، وهي مدينة يعقوب وهناك مراعيه (٢).


(١) وهو ما جاء في الآية ٩٧ سورة طه: ﴿قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي اَلْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ﴾.
(٢) المسعودي: مروج الذهب ٦٦: ١ - ٦٧. وأضاف المسعودي: «والأسامرة في وقتنا هذا - وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مائة - ببلاد فلسطين والأردن في قرى متفرّقة مثل القرية المعروفة بعارا - وهي بين الرّملة وطبرية - وغيرها من القرى إلى مدينة نابلس».