للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ربيع. فأمروا بحفظ هذا اليوم، كما قال في السّفر الثّاني من التّوراة: احفظوا هذا اليوم سنّة، لخلوفكم إلى الدّهر في أربعة عشر من الشهر الأوّل، وليس معنى الشّهر الأوّل هذا شهر تشري، ولكنّه عنى به شهر نيسن، من أجل أنّهم أمروا أن يكون شهر الباسخ (a) رأس شهورهم، ويكون أوّل السّنة. فقال موسى للشّعب: «اذكروا اليوم الذي حرجتم فيه من التّعبّد، فلا تأكلوا خميرا في هذا اليوم، في الشهر الذي ينضر فيه الشّجر» (١). فلذلك اضطرّوا إلى استعمال سنة الشّمس، ليقع اليوم الرّابع عشر من شهر نيسن في أوان الرّبيع حين تورق الأشجار وتزهر (b) الثّمار، وإلى استعمال سنة (c) القمر ليكون جرمه فيه بدرا تامّ الضّوء في برج الميزان.

وأحوجهم ذلك إلى إلحاق الأيّام التي يتقدّم بها عن الوقت المطلوب بالشّهور إذا استوفت أيّام شهر واحد، فألحقوها بها شهرا تامّا سمّوه آذار الأوّل وسمّوا آذار الأصلي آذار الثّاني لأنّه ردف سميّا له وتلاه، وسمّوا السّنة الكبيسة «عبّورا» اشتقاقا من معبارث وهي المرأة الحبلى بالعبرانية، لأنّهم شبّهوا دخول الشّهر الزّائد في السّنة بحمل المرأة ما ليس من جملتها (٢)، ولهم في استخراج ذلك حسابات كثيرة مذكورة في الأزياج.

وهم في عمل الأشهر مفترقون فرقتين:

إحداهما الرّبّانيّة: واستعمالهم إيّاها على وجه الحساب بمسيري الشّمس والقمر الوسط، سواء رئي الهلال أو لم ير، فإنّ الشهر عندهم هو مدّة مفروضة تمضي من لدن الاجتماع الكائن بين الشّمس والقمر في كلّ شهر. وذلك أنّهم كانوا - وقت عودهم من الجالية ببابل إلى بيت المقدس - ينصبون على رؤوس الجبال ديادب، ويقيمون رقباء للفحص عن الهلال، وألزموهم بإيقاد النار، وتدخين دخان يكون علامة لحصول الرّؤية.

وكانت بينهم وبين السّامرة العداوة المعروفة، فذهبت السّامرة ورفعوا الدّخان فوق الجبل قبل الرّؤية بيوم، ووالوا بين ذلك شهورا اتّفق في أوائلها أنّ السّماء كانت متغيّمة حتى فطن لذلك من في بيت المقدس، ورأوا الهلال غداة اليوم الرّابع أو الثّالث من الشهر مرتفعا عن الأفق من جهة المشرق، فعرفوا أنّ السّامرة فتنتهم، فالتجأوا إلى أصحاب التّعاليم في ذلك الزّمان ليأمنوا بما


(a) عند البيروني: الفصح، وهي الصواب.
(b) بولاق: تزهو.
(c) عند البيروني: شهور.
(١) ويعرف ب «عيد الفطير»، انظر فيما يلي ٩٦١.
(٢) البيروني: الآثار الباقية ٥٢ - ٥٣.