بيت المقدس، وملك آخاب (a) بن عمري على الأسباط من بني إسرائيل بمدينة شمرون المعروفة اليوم بنابلس (١).
وساءت سيرة آخاب (a) حتى زادت في القبح على جميع من مضى قبله من ملوك بني إسرائيل، وكان أشدّهم كفرا، وأكثرهم ركونا للمنكر، بحيث أربى في الشّرّ على أبيه وعلى سائر من تقدّمه، وكانت له امرأة يقال لها سيصيال (b) ابنة أشاعل ملك صيدا، أكفر منه باللّه وأشدّ عتوّا واستكبارا، فعبدا وثن بعال (٢) الذي قال اللّه جلّ ذكره فيه: ﴿أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ اَلْخالِقِينَ * * اَللّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ اَلْأَوَّلِينَ﴾ [الآيتان ١٢٥، ١٢٦ سورة الصافات]، وأقاما له مذبحا بمدينة شمرون.
فأرسل اللّه ﷿ إلى آخاب (a) عبده إلياس رسولا لينهاه عن عبادة وثن بعل، ويأمره بعبادة اللّه تعالى وحده، وذلك قول اللّه - عزّ من قائل: ﴿وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ اَلْمُرْسَلِينَ * * إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ * * أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ اَلْخالِقِينَ * * اَللّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ اَلْأَوَّلِينَ * * فَكَذَّبُوهُ … ﴾ الآيات ١٢٣ - ١٢٧ سورة الصافات]، ولمّا أيس من إيمانهم باللّه وتركهم عبادة الوثن، أقسم في مخاطبته آخاب (a) أن لا يكون مطر ولا ندى، ثم تركه.
فأمره اللّه سبحانه أن يذهب ناحية الأردن. فمكث هناك مختفيا - وقد منع اللّه قطر السّماء حتى هلكت البهائم وغيرها - فلم يزل إلياس مقيما في استتاره إلى أن جفّ ما كان عنده من الماء.
وفي طول إقامته كان اللّه ﷻ يبعث إليه بغربان تحمل له الخبز واللحم، فلمّا جفّ ماؤه الذي كان يشرب منه لامتناع المطر، أمره اللّه أن يسير إلى بعض مدائن صيدا.
فخرج حتى وافى باب المدينة، فإذا امرأة تحتطب، فسألها ماء يشربه وخبزا يأكله، فأقسمت له أنّ ما عندها إلاّ مثل غرفة دقيق في إناء وشيء من زيت في جرّة، وأنّها تجمع الحطب لتقتات منه هي وابنها. فبشّرها إلياس ﵇ وقال لها: لا تجزعي وافعلي ما قلت لك، واعملي لي خبزا قليلا قبل أن تعملي لنفسك ولولدك، فإنّ الدّقيق لا يعجز من الإناء ولا الزّيت من الجرّة
(a) بولاق: أحؤب. (b) كذا في نسخ الخطط، وفي المصادر: أرابل أو أربيل أو زابل (؟) (١) سعيد بن البطريق: التاريخ المجموع ٥٣: ١، ونشرة Breydy ١٨ - ١٩. (٢) نفسه ٥٦: ١، نفسه ١٩.