قال القضاعيّ: الخندق، هو الخندق الذي في شرقي الفسطاط في المقابر. كان الذي أثار حفره مسير مروان بن الحكم إلى مصر، وذلك في سنة خمس وستين، وعلى مصر يومئذ عبد الرّحمن بن عقبة بن جحدم الفهري، من قبل عبد اللّه بن الزّبير ﵁. فلمّا بلغه مسير مروان إلى مصر، أعدّ واستعدّ وشاور الجند في أمره. فأشاروا عليه بحفر الخندق، والذي أشار به عليه ربيعة بن حبيش الصّدفي. فأمر ابن جحدم بإحضار المحاريث (a) من الكور لحفر الخندق على الفسطاط، فلم يبق قرية من قرى مصر إلاّ حضر من أهلها النفر.
وكان ابتداء حفره غرّة المحرّم سنة خمس وستين، فما كان شيء أسرع من فراغهم منه، حفروه في شهر واحد. وكانت الحرب من ورائه يغدون إليها ويروحون، فسمّيت تلك الأيّام «أيّام الخندق والتّراويح» لرواحهم إلى القتال. وكانت المعافر (b) أكثر قبائل أهل مصر عددا، كانوا عشرين ألفا.
ونزل مروان عين شمس، لعشر خلون من شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين، في اثني عشر ألفا، وقيل عشرين ألفا، فخرج أهل مصر إلى مروان، فحاربوه يوما واحدا بعين شمس، ثم تحاجزوا، ورجع أهل مصر إلى خندقهم فتحصّنوا به، وصحبهم جيوش مروان على باب الخندق. فاصطفّ أهل مصر على الخندق، فكانوا يخرجون إلى أصحاب مروان فيقاتلونهم نوبا نوبا، وأقاموا على ذلك عشرة أيّام، ومروان مقيم بعين شمس (١).
وكتب مروان إلى شيعته من أهل مصر - كريب بن أبرهة بن الصّبّاح الحميري، وزياد ابن حناطة التّجيبي، وعايش (c) بن سعيد المرادي - يقول: إنّكم ضمنتم لي ضمانا لم تقوموا به، وقد طالت الأيّام والممانعة. فقام كريب وزياد وعايش (c) إلى ابن جحدم، فقالوا له: أيّها الأمير، إنّه لا قوام لنا بما ترى، وقد رأينا أن نسعى في الصّلح بينك وبين مروان، وقد ملّ الناس الحرب وكرهوها وقد خفنا أن يسلّمك الناس إلى مروان فيكون محكّما فيك. فقال: ومن لي بذلك؟ فقال كريب: أنا لك به.
(a) وردت هذه الكلمة في أصل نسخة المؤلف المنقول منها: المواريث، وكتب النسّاخ فوقها: كذا، وواضح أنّه سبق قلم، صوابه ما أثبته. (b) بولاق: المغافر. (c) بولاق: عابس. - الكتاب - الذي لم يصل إلينا - «الخندق» أو «كتاب الخندق والتّراويح» لأنّ أهل مصر كانوا يقاتلون نوبا، وهو من مصادر المقريزي. (فيما تقدم ٥٤٥: ٣). (١) الكندي: ولاة مصر ٦٦.