للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان أمراء مصر إذا خرجوا إلى صلاة العيد بالمصلّى، أوقفوا جيشا في سفح الجبل - ممّا يلي بركة الحبش - ليراعي الناس حتى ينصرفوا من الصّلاة، خوفا من البجة. فإنّهم قدموا غير مرّة، ركبانا على النجب، حتى كبسوا الناس في مصلاّهم، وقتلوا ونهبوا، ثم رجعوا من حيث أتوا.

فخرج عبد الحميد بن عبد اللّه بن عبد العزيز بن عبد اللّه بن عمر بن الخطّاب، غضبا للّه وللمسلمين ممّا أصابهم من البجة، فكمن لهم بالصّعيد في طريقهم، حتى أقبلوا، كعادتهم في أخذ الناس في مصلّى العيد، فكبسهم، وقتل الأعور رئيسهم. بعد ما أقبلوا إلى المصلّى في العيد في سنة ستّ وخمسين ومائتين - وأمير مصر أحمد بن طولون - على النجب، وكبسوا الناس في مصلاّهم، وقتلوا ونهبوا منهم، وعادوا سالمين.

ثم دخل العمري إلى بلاد البجة غازيا، فقتل منهم مقتلة عظيمة، وضايقهم في بلادهم إلى أن أعطوه الجزية - ولم يكونوا أعطوا أحدا قبله الجزية - وسار في المسلمين وأهل الذّمّة سيرة حسنة، وسالم النوبة إلى أن بدأ النوبة بالغدر في الموضع المعروف بالمريس (١). فمال عليهم وحاربهم، وخرّب ديارهم، وسبى منهم عالما كبيرا، حتى كان الرّجل من أصحابه يبتاع الحاجة من الزّيّات والبقّال بنوبي أو نوبية لكثرتهم معهم. فجاءوا إلى أحمد بن طولون، وشكوا له من العمري، فبعث إليه جيشا ليحاربه، فأوقع بالجيش وهزمهم، وكانت له أنباء وقصص. إلى أن قتله غلامان من أصحابه، وأحضرا رأسه إلى أحمد بن طولون، فأنكر فعلهما، وضرب أعناقهما، وغسل الرّأس ودفنه (٢).


(١) انظر عن مريس النوبة فيما تقدم ٥١٨: ١، ٥١٩، ٥٣٧، ٥٣٨.
(٢) راجع، المقريزي: المقفى الكبير ٤٠٣: ٤ - ٤١٥؛ وفيما تقدم ٥٣٤: ١.