وانقسمت الطرق في القرافة، وتعدّدت بها/ الشّوارع، ورغب كثير من الناس في سكناها، لعظم القصور التي أنشئت بها، وسمّيت ب «التّرب»، ولكثرة تعاهد أصحاب التّرب لها، وتواتر صدقاتهم ومبرّاتهم لأهل القرافة.
وقد صنّف الناس فيمن قبر بالقرافة، وأكثروا من التأليف في ذلك، ولست بصدد شيء ممّا صنّفوا في ذلك (١)، وإنّما غرضي أن أذكر ما تشتمل عليه القرافة.
* ** وفي سنة ثلاث وثلاثين وأربع مائة ظهر بالقرافة شيء، يقال له القطربة، تنزل من جبل المقطّم، فاختطفت جماعة من أولاد سكّانها، حتى رحل أكثرهم خوفا منها. وكان شخص من أهل كبارة مصر - يعرف بحميد الفوّال - خرج من إطفيح على حماره، فلمّا وصل إلى حلوان عشاء، رأى امرأة جالسة على الطريق، فشكت إليه ضعفا وعجزا فحملها خلفه، فلم يشعر بالحمار إلاّ وقد سقط، فنظر إلى المرأة، فإذا بها قد أخرجت جوف الحمار بمخاليبها، ففرّ وهو يعدو إلى والي مصر، وذكر له الخبر، فخرج بجماعته إلى الموضع، فوجد الدّابّة قد أكل جوفها.
ثم صارت بعد ذلك تتبع الموتى بالقرافة، وتنبش قبورهم، وتأكل أجوافهم، وتتركهم مطروحين، فامتنع الناس من الدّفن في القرافة زمنا حتى انقطعت تلك الصّورة.
= سنة ١٩٤٣، وهو يقع بجوار باب قايتباي بالسيدة عائشة من جهته الجنوبية، ولا يزال العقد الداخلي للباب قائما وتوجد تفاصيل مخطّطه تحت الرّدم حولها خندق بسور مستدير من جهة شارع الأقدام. أمّا باب قايتباي فقد أزيل من موقعه لوقوعه في مسار كوبري السيدة عائشة العلوي وأعيد بناؤه في موضع مجاور لمكانه الأصلي بانحراف عن مسار السّور. (محمد أبو العمايم: «المئذنة القبلية وما حولها من الآثار خارج باب القرافة بالقاهرة»، حوليات إسلامية An.Isl. ٣٤ (٢٠٠٠)، ٤٥، ٤٦). وقد تخرّبت معظم العمائر التي كانت تقع في منطقة باب القرافة، وعلى الأخصّ في فترة وجود الحملة الفرنسية في مصر يقول الجبرتي: إن من بين ما قام به الفرنسيون «هدم القباب والمدافن الكائنة بالقرافة تحت القلعة خوفا من تترّس المحاربين بها» حيث هدموها بواسطة البارود والألغام. (عجائب الآثار ٢٦٤: ٣ - ٢٦٥). (١) من أهمّ هذه المؤلّفات التي وصلت إلينا، «مرشد الزّوّار إلى قبور الأبرار» للموفّق بن عثمان، و «الكواكب السّيّارة في ترتيب الزّيارة» لابن الزّيّات، و «تحفة الأحباب وبغية الطلاّب في الخطط والمزارات» لنور الدّين السّخاوي الحنفي و «مصباح الدّياجي» لابن عين الفضلاء؛ وراجع كذلك مقال يوسف راغب Ragib، Y.، «Essai d'inventaire chronologique des guides a l'usage des pelerins؛ du Caire»، REI XLI/ ٢ (١٩٧٣)، pp. ٢٥٩ - ٨٠ وفيما تقدم ٢٧: ١ *- ٣٠ *.