فلمّا دفن الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيّوب ابنه، في سنة ثمان وستّ مائة، بجوار قبر الإمام محمد بن إدريس الشّافعيّ، وبنى القبّة العظيمة على قبر الشّافعيّ (١)، وأجرى لها الماء من بركة الحبش بقناطر متّصلة منها (٢)، نقل الناس الأبنية من القرافة الكبرى إلى ما حول الشّافعيّ، وأنشأوا هناك التّرب، فعرفت ب «القرافة الصّغرى»، وأخذت عمائرها في الزّيادة، وتلاشى أمر تلك (٣).
وأمّا القطعة التي تلي قلعة الجبل فتجدّدت بعد السبع مائة من سني الهجرة.
وكان ما بين قبّة الإمام الشّافعيّ - رحمة اللّه عليه - وباب القرافة ميدانا واحدا تتسابق فيه الأمراء والأجناد، ويجتمع الناس هنالك للتّفرّج على السّباق، فتصير الأمراء تسابق على حدة، والأجناد تسابق في جهة وهم منفردون عن الأمراء، والشّرط في السّباق من تربة الأمير بيدرا إلى باب القرافة. ثم استجدّ أمراء دولة الناصر محمد بن قلاوون في هذه الجهة التّرب، فبنى الأمير بيبغا (a) التّركماني، والأمير طقتمر الدّمشقي، والأمير قوصون وغيرهم من الأمراء. وتبعهم الجند وسائر الناس، فبنوا التّرب والخوانك والأسواق والطواحين والحمّامات، حتى صارت العمارة من بركة الحبش إلى باب القرافة، ومن حدّ مساكن مصر إلى الجبل (٤).
(a) بولاق: يلبغا. - محمد حمزة إسماعيل الحداد: قرافة القاهرة في عصر سلاطين المماليك، رسالة ماجستير، كلية الآثار - جامعة القاهرة ١٩٨٧. (١) فيما يلي ٩١١. (٢) هذه إشارة إلى تجديد الملك الكامل لقناطر أحمد ابن طولون، وليست إنشاء جديدا قام به هو. (انظر فيما يلي ٨٩٣). (٣) انظر فيما تقدم ٢٩٦: ٢، وفيما يلي ٩٠٩ - ٩١٢. (٤) المقريزي: السلوك ٥٤٠: ٢. ومنطقة باب القرافة هي المنطقة الواقعة جنوب ميدان السّيّدة عائشة الحالي، وعرفت بذلك لوقوعها خارج باب القرافة، أحد أبواب سور صلاح الدّين الذي بناه بهاء الدّين قراقوش ليحيط بالقاهرة والقلعة والفسطاط، وسمّي بذلك لأنّه يخرج منه إلى القرافة. وتمّ الكشف عن باب القرافة -