للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصّيف يتحدّثون في القمر في صحنه، وفي الشّتاء ينامون عند المنبر، وكان يحصل لقيمه الأشوية (a) والحلوى والجرايات.

وكان الناس يحبّون هذا الموضع، ويلزمونه لأجل من يحضر من الرّؤساء، وكانت الطفيليّة يلزمون المبيت فيه ليالي الجمع، وكذلك أكثر المساجد التي بالقرافة والجبل والمشاهد، لأجل ما يحمل إليها، ويعمل فيها من الحلاوات واللحومات والأطعمة (١).

وقال (b) علي بن (b) موسى بن محمد بن سعيد في كتاب «المغرب في أخبار المغرب»: وبتّ ليالي كثيرة بقرافة الفسطاط، وهي في شرقيها، بها منازل الأعيان بالفسطاط والقاهرة، وقبور عليها مبان معتنى بها، وفيها القبّة العالية العظيمة المزخرفة التي فيها قبر الإمام الشّافعيّ وبها مسجد جامع، وترب كثيرة عليها أوقاف للقرّاء، ومدرسة كبيرة للشّافعية. ولا تكاد تخلو من طرب، ولا سيّما في الليالي المقمرة، وهي معظم مجتمعات أهل مصر، وأشهر متنزّهاتهم، وفيها أقول:

[الكامل]

إنّ القرافة قد حوت ضدّين من … دنيا وأخرى فهي نعم المنزل

يغشى الخليع بها السّماع مواصلا … ويطوف حول قبورها المتبتّل

كم ليلة بتنا بها ونديمنا … لحن يكاد يذوب منه الجندل

والبدر قد ملأ البسيطة نوره … فكأنّما قد فاض منه جدول

وبدا يضاحك أوجها حاكينه … لمّا تكامل وجهه المتهلّل (٢)

وفوق القرافة من شرقيها جبل المقطّم، وليس له علوّ ولا عليه اخضرار، وإنّما يقصد للبركة، وهو نبيه الذّكر في الكتب، وفي سفحه مقابر أهل الفسطاط والقاهرة (٣).

والإجماع على أنّه ليس في الدّنيا مقبرة أعجب منها، ولا أبهى ولا أعظم ولا أنظف من أبنيتها وقبابها وحجرها، ولا أعجب تربة منها كأنّها الكافور والزّعفران، مقدّسة في جميع الكتب، وحين تشرف عليها تراها مدينة بيضاء، والمقطّم عال عليها كأنّه حائط من ورائها.


(a) بولاق: الأشربة.
(b) (b-b) إضافة اقتضاها السياق.
(١) فيما تقدم ٢٩١.
(٢) ابن سعيد: المغرب في حلى المغرب ١٠: ١ - ١١.
(٣) فيما تقدم ٣٣٥: ١ - ٣٣٨.