للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولمّا خرج مع السّلطان إلى الحجاز، خرج بتجمّل زائد وحشمة عظيمة، وهو ساقة الناس كلهم، وكان ثقله وحاله (a) نظير ما للسّلطان، ولكن يزيد عليه بالزّركش وآلات الذّهب.

ووجد في خزانته بطريق الحجاز بعد موته خمس مائة تشريف: منها ما هو أطلس بطرز زركش (b) وحوائص ذهب وكلّوتات زركش (b)، وما دون ذلك من خلع أرباب السّيوف وأرباب الأقلام، ووجد معه قيود وجنازير.

وتنكّر السّلطان له في طريق الحجاز، واستوحش كلّ منهما من صاحبه. فاتّفق أنّهم في العود مرض ولده أحمد، ومرض من بعده، فمات ابنه قبله بثلاثة أيّام، فحمل في تابوت مغشّى بجلد جمل، ولمّا مات بكتمر دفن مع ولده بنخل، وحثّ السّلطان في المسير. وكان لا ينام في تلك السّفرة إلاّ في برج خشب، وبكتمر عنده وقوصون على الباب، والأمراء المشايخ كلّهم حول البرج بسيوفهم، فلمّا مات بكتمر، ترك السّلطان ذلك، فعلم الناس أنّ احترازه كان خوفا من بكتمر. ويقال إنّ السّلطان دخل عليه، وهو مريض في درب الحجاز، فقال له: بيني وبينك اللّه.

فقال له: كل من فعل شيئا يلتقيه.

ولمّا مات صرخت زوجته أمّ ابنه أحمد، وبكت وأعولت إلى أن سمعها الناس تتكلّم بالقبيح في حقّ السّلطان، من جملته: أنت تقتل مملوكك، أنا ابني إيش كان [بينك وبينه] (c)؟ فقال لها:

بسّ، تفشرين، هاتي مفاتيح صناديقه، فأنا أعرف كلّ شيء أعطيته من الجواهر، فرمت بالمفاتيح إليه، فأخذها.

ولمّا وصل السّلطان إلى قلعة الجبل أظهر الحزن والندامة عليه، وأعطى أخاه قمارى إمرة مائة وتقدمة ألف، وكان يقول: ما بقي يجيئنا مثل بكتمر. وأمر فحملت جثّته وجثّة ابنه إلى خانقاهه هذه، ودفنتا بقبّتها.

وبدت من السّلطان أمور منكرة بعد موت بكتمر. فإنّه كان يحجر على السّلطان، ويمنعه من مظالم كثيرة، وكان يتلطف بالناس، ويقضي حوائجهم، ويسوسهم أحسن سياسة، ولا يخالفه السّلطان في شيء، ومع ذلك فلم يكن له حماية ولا رعاية، ولا لغلمانه ذكر، ومن المغرب يغلق باب/ إسطبله.


(a) بولاق: وجماله.
(b) (b-b) ساقطة من بولاق.
(c) زيادة من المقفى الكبير.