للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحاكمي الذي يلي المنبر، فيدخلون إلى مقصورة كانت هناك على يسرة الدّاخل من الباب المذكور - تعرف بمقصورة البسملة، فإنّه بها إلى اليوم بسملة قد كتبت بحروف كبار - فيصلّي الشّيخ تحيّة المسجد تحت سحابة منصوبة له دائما، وتصلّي الجماعة. ثم يجلسون، وتفرّق عليهم أجزاء الرّبعة، فيقرأون القرآن حتى يؤذّن المؤذّنون، فتؤخذ الأجزاء منهم، ويشتغلون بالتّركّع واستماع الخطبة وهم منصتون خاشعون. فإذا قضيت الصّلاة والدّعاء بعدها، قام قارئ من قرّاء الخانقاه، ورفع صوته بقراءة ما تيسّر من القرآن، ودعا للسّلطان صلاح الدّين ولواقف الجامع ولسائر المسلمين. فإذا فرغ قام الشّيخ من مصلاّه، وسار من الجامع إلى الخانقاه والصّوفيّة معه كما كان توجّهم إلى الجامع؛ فيكون هذا من أجمل عوايد أهل (a) القاهرة.

وما برح الأمر على ذلك إلى أن ولي الأمير يلبغا السّالمي نظر الخانقاه المذكورة في يوم الجمعة ثامن عشر جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين وسبع مائة، فنزل إليها وأخرج كتاب الوقف، وأراد العمل بما فيه من شرط الواقف؛ فقطع من الصّوفيّة المنزّلين بها عشرات ممّن له منصب ومن هو مشهور بمال، وزاد الفقراء المجرّدين - وهم المقيمون بها - في كلّ يوم رغيفا من الخبز، فصار لكلّ مجرّد أربعة أرغفة بعدما كانت ثلاثة، ورتّب بالخانقاه وظيفتي ذكر بعد صلاة العشاء الآخرة، وبعد صلاة الصّبح. فكثر النكير على السّالمي ممّن أخرجهم، وزاد الأشلاّء، فقال بعض أدباء العصر في ذلك:

[الكامل]

يا أهل خانقاه الصّلاح أراكم … ما بين شاك للزّمان وشاتم

يكفيكم ما قد أكلتم باطلا … من وقفها وخرجتم بالسّالم

وكان سبب ولاية السّالمي نظر الخانقاه المذكورة، أنّ العادة كانت قديما أنّ الشّيخ هو الذي يتحدّث في نظرها. فلمّا كانت أيّام الظّاهر برقوق ولي مشيختها شخص يعرف بالشّيخ محمد البلالي، قدم من البلاد الشّامية، وصار للأمير سودون الشّيخوني - نائب السّلطنة بديار مصر - فيه اعتقاد. فلمّا سعى له في المشيخة،/ واستقرّ فيها بتعيينه، سأله أن يتحدّث في النظر إعانة له، فتحدّث.

وكانت عدّة الصّوفيّة بها نحو الثلاث مائة رجل: لكلّ منهم في اليوم ثلاثة أرغفة زنتها ثلاثة أرطال خبز، وقطعة لحم زنتها ثلث رطل في مرق، وتعمل لهم الحلوى في كلّ شهر، ويفرّق


(a) ساقطة من بولاق.