للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جهة، وبرز أرباب الغناء وأصحاب اللّهو والخلاعة فركبوا النّيل، وتجاهروا بما كانت عادتهم المجاهرة به من أنواع المنكرات، وتوسّع الأمراء في تنوّع الأطعمة والحلاوات وغيرها توسّعا خرجوا فيه عن الحدّ في الكثرة البالغة، وعمّ الناس منهم ما لا يمكن وصفه لكثرته، واستمرّوا على ذلك ثلاثة أيام.

وكانت مدّة انقطاع عمل عيد الشّهيد منذ أبطله الأمير بيبرس إلى أن أعاده الملك النّاصر ستّا وثلاثين سنة. واستمرّ عمله في كلّ سنة بعد ذلك إلى أن كانت سنة خمس وخمسين وسبع مائة (١) تحرّك المسلمون على النّصارى، وعملت أوراق بما قد وقف من أراضي مصر على كنائس النّصارى ودياراتهم، وألزم كتّاب الأمراء بتحرير ذلك وحمل الأوراق إلى ديوان الأحباس. فلمّا تحرّرت الأوراق، اشتملت على خمسة وعشرين ألف فدّان كلها موقوفة على الدّيارات والكنائس، فعرضت على أمراء الدّولة القائمين بتدبير الدولة في أيّام الملك الصّالح صالح بن محمد بن قلاوون - وهم الأمير شيخو العمري، والأمير صرغتمش، والأمير طاز - فتقرّر الحال على أن ينعم بذلك على الأمراء زيادة على إقطاعاتهم، وألزم النّصارى بما يلزمهم من الصّغار، وهدمت لهم عدّة كنائس، كما هو مذكور في موضعه من هذا الكتاب/ عند ذكر الكنائس (٢).

فلمّا كان العشر الأخير من شهر رجب من السنة المذكورة، خرج الحاجب والأمير علاء الدين عليّ بن الكوراني والي القاهرة إلى ناحية شبرا الخيام من ضواحي مصر، فهدمت كنيسة النّصارى، وأخذ منها أصبع الشّهيد في صندوق وأحضر إلى الملك الصّالح، وأحرق بين يديه في الميدان، وذرّي رماده في البحر حتى لا يأخذه النّصارى، فبطل عيد الشّهيد من يومئذ إلى هذا الشّهر (a)، وللّه الحمد (b) (٣).


(a) بولاق: العهد.
(b) بولاق: الحمد والمنة.
(١) آخر الموجود في مسودة الخطط ١٧٨ و.
(٢) فيما يلي ٥١٢: ٢ - ٥١٧.
(٣) نشر هذا الفصل عبد المجيد دياب في كتاب تاريخ الأقباط للمقريزي ٢٥٠ - ٢٥١.