للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نصرانيته، ومشى بعضهم إلى بعض. وكان منهم رجل يعرف بالتّاج بن سعيد الدّولة (١) يعاني الكتابة، وهو يومئذ في خدمة الأمير بيبرس، وقد احتوى على عقله، واستولى على جميع أموره، كما هي عادة ملوك مصر وأمرائها من الأتراك في الانقياد لكتّابهم من القبط، سواء منهم من أسرّ الكفر ومن جهر به.

ومازال الأقباط بالتّاج إلى أن تحدّث مع مخدومه الأمير بيبرس في ذلك، وخيّل له من تلف مال الخراج إذا بطل هذا العيد، فإنّ أكثر خراج شبرا إنّما يحصل من ذلك، وقال له: متى لم يعمل العيد لم يطلع النّيل أبدا، ويخرب إقليم مصر لعدم طلوع النّيل ونحو ذلك من هتف القول، وتنميق المكر. فثّبت اللّه الأمير بيبرس وقوّاه حتى أعرض عن جميع ما زخرفه من القول، واستمرّ على منع عمل العيد وقال للتاج: إن كان النّيل لا يطلع إلاّ بهذا الأصبع فلا يطلع، وإن كان اللّه سبحانه هو المتصرّف فيه، فنكذّب النّصارى. فبطل العيد من تلك السّنة، ولم يزل منقطعا إلى سنة ثمان وثلاثين وسبع مائة (٢).

وعمّر الملك النّاصر محمد بن قلاوون الجسر في بحر النّيل، ليرمي قوّة التّيّار عن برّ القاهرة إلى ناحية الجيزة (a)، كما ذكر في موضعه من هذا الكتاب (٣). فطلب الأمير يلبغا اليحياوي والأمير ألطنبغا المارديني من السّلطان أن يخرجا إلى الصّيد ويغيبا مدّة، فلم تطب نفسه بذلك لشدّة غرامه بهما وتهتّكه في محبّتهما، وأراد صرفهما عن السّفر فقال لهما: نحن نعيد عمل عيد الشّهيد فيكون تفرّجكما عليه أنزه من خروجكما إلى الصّيد - وكان قد قرب أوان وقت عيد الشّهيد - فرضيا منه بذلك، وأشيع في الإقليم إعادة عمل عيد الشّهيد. فلمّا كان اليوم الذي كانت العادة بعمله فيه، ركب الأمراء النّيل في الشّخاتير (٤) بغير حراريق، واجتمع الناس من كلّ


(a) في مسودة الخطط: ليحدف قوة الماء، عن ناحية بولاق إلى أنبوبة، وبولاق التكرور.
(١) الوزير التاج أبو الفرج بن سعيد الدولة كاتب بيبرس الجاشنكير، وقرّره عند سلطنته مشيرا، توفي في شهر رجب سنة ٧٠٩ هـ/ ١٣٠٩ م (بيبرس المنصوري: زبدة الفكرة ٣٨٨، ٤٠٧؛ المقريزي: السلوك ٨٥: ٢ - ٨٦؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٢٧٩: ٨ - ٢٨٠.
(٢) انظر أبا المحاسن: النجوم الزاهرة ٢٠٢: ٨ - ٢٠٣.
(٣) انظر فيما يلي ١٦٥: ٢ - ١٧١.
(٤) شختور، شختورة ج. شخاتير. من المراكب النيلية التي كانت تستخدم لتعدية الناس في النيل في إبان زيادته من مصر إلى الجيزة ومن الجيزة إليها (النخيلي: السفن الإسلامية ٧٤ - ٧٥).