قال الأستاذ عبد الكريم أبو القاسم بن هوازن القشيري،﵀: اعلموا أنّ المسلمين بعد رسول اللّه ﷺ، لم يتسمّ أفاضلهم في عصرهم بتسمية علم سوى «صحبة رسول اللّه»ﷺ، إذ لا فضيلة فوقها، فقيل لهم «الصّحابة». ولمّا أدرك أهل العصر الثّاني، سمّي من صحب الصّحابة «التّابعين»، ورأوا ذلك أشرف سمة، ثم قيل لمن بعدهم «أتباع التّابعين». ثم اختلف الناس وتباينت المراتب، فقيل لخواصّ خواصّ الناس ممّن لهم شدّة عناية بأمر الدّين «الزّهّاد» و «العبّاد». ثم ظهرت البدع، وحصل التّداعي بين الفرق، فكلّ فريق ادّعوا أنّ فيهم زهّادا.
فانفرد خواصّ أهل السّنّة - المراعون أنفسهم مع اللّه، الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة - باسم «التّصوّف»، واشتهر هذا الاسم لهؤلاء الأكابر قبل المائتين من الهجرة (١).
قال: وهذه التّسمية غلبت على هذه الطائفة. فيقال:«رجل صوفيّ»، وللجماعة:
«الصّوفيّة»، ومن يتوصّل إلى ذلك يقال له:«متصوّف»، وللجماعة:«المتصوّفة». وليس يشهد لهذا الاسم من حيث العربية قياس ولا اشتقاق، والأظهر فيه أنّه كاللقب. فأمّا قول من قال إنّه من الصّوف، وتصوّف، إذا لبس الصّوف - كما يقال تقمّص، إذا لبس القميص - فذلك وجه، ولكنّ القوم لم يختصّوا بلبس الصّوف.
ومن قال إنّهم ينسبون إلى صفّة مسجد رسول اللّه ﷺ، فالنسبة إلى الصّفّة لا تجيء على نحو الصّوفي. ومن قال إنّه من الصّفاء، فاشتقاق الصّوفي من الصّفاء بعيد في مقتضى اللغة.
وقول من قال إنّه مشتقّ من الصّفّ، فكأنّهم في الصّفّ الأوّل بقلوبهم من حيث المحاضرة مع اللّه تعالى، فالمعنى صحيح لكن اللغة لا تقتضي هذه النسبة من الصّفّ. ثم إنّ هذه الطائفة أشهر من أن يحتاج في تعيينهم إلى قياس لفظ واستحقاق اشتقاق (٢)، واللّه أعلم.
وقال الشّيخ شهاب الدّين أبو حفص عمر بن محمد السّهروردي،﵀: والصّوفيّ يضع الأشياء في مواضعها، ويدير الأوقات والأحوال كلّها. بالعلم يقيم الخلق مقامهم، ويقيم أمر الحقّ مقامه، ويستر ما ينبغي أن يستر، ويظهر ما ينبغي أن يظهر، ويأتي بالأمور من مواضعها بحضور عقل، وصحّة توحيد، وكمال معرفة، ورعاية صدق وإخلاص.
فقوم من المفتونين لبسوا ألبسة الصّوفيّة لينسبوا إليهم، وما هم منهم بشيء، بل هم في غرور وغلط يتستّرون بلبسة الصّوفية توقّيا تارة ودعوى أخرى، وينتهجون مناهج أهل الإباحة،