للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم أحضر العدد التي كانت بالثّغر مرصدة برسم الجهاد، فبلغت ستة آلاف عدّة، ووضعها في حاصل، وختم عليه. وخرج من الإسكندرية بعد عشرين يوما، وقد سفك دماء كثيرة، وأخذ منها مائتي ألف دينار للسّلطان، وعاد إلى القاهرة، فلم يزل على حاله إلى أن صرف عن الوزارة في يوم الأحد ثاني شوّال سنة ثمان وعشرين. ورسم أن توفّر وظيفة الوزارة من ولاية وزير، فلم يستقرّ أحد في الوزارة، وبقي الجمالي على وظيفة الأستادّاريّة.

وكان سبب عزله عن الوزارة توقّف حال الدّولة، وقلّة الواصل إليها. فعمل عليه الفخر ناظر الجيش والتّاج إسحاق، بسبب تقديمه لمحمد بن لفيتة، فإنّه كان قد استقرّ في نظر الدّولة والصّحبة والبيوت، وتحكّم في الوزير وتسلّم قياده. فكتبت مرافعات في الوزير، وأنّه أخذ مالا كثيرا من مال الجيزة، فخرج الأمير أيتمش المجدي بالكشف عليه، وهمّ السّلطان بإيقاع الحوطة به. فقام في حقّه الأمير بكتمر السّاقي حتى عفي عنه، وقبض على كثير من الدّواوين.

ثم إنّه سافر إلى الحجاز، فلمّا عاد توفي بسطح عقبة أيلة، في يوم الأحد سابع عشر المحرّم سنة اثنتين وثلاثين وسبع مائة، فصبّر وحمل إلى القاهرة، ودفن بهذه الخانقاه في يوم الخميس حادي عشرين المحرّم المذكور، بعد ما صلّي عليه بالجامع الحاكمي. وولّى السّلطان بعده الأستادّارية الأمير آقبغا عبد الواحد. وكان ينوب عن الجمالي في الأستادّارية ألطنقش مملوك الأفرم، نقله إليها من ولاية الشّرقيّة.

وكان الجمالي حسن الطباع، يميل إلى الخير مع كثرة الحشمة، وممّا شكر عليه في وزارته أنّه لم يبخل على أحد بولاية مباشرة، وأنشأ ناسا كثيرا، وقصد من سائر الأعمال. وكان يقبل الهدايا ويحب التّقادم، فحلت له الدّنيا وجمع منها شيئا كثيرا. وكان إذا أخذ من أحد شيئا على ولاية، لا يعزله حتى يعرف أنّه قد اكتسب قدر ما وزنه له ولو أكثر عليه في السّعي، فإذا عرف أنّه أخذ ما غرمه عزله وولّى غيره، ولم يعرف عنه أنّه صادر أحدا ولا اختلس مالا. وكانت أيّامه قليلة الشّرّ، إلاّ أنّه كان يعزل ويولّي بالمال فتزايد الناس في المناصب، وكان له عقب بالقاهرة غير صالحين ولا مصلحين.