للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلم يعفه السّلطان، وقال: أنا أخلّي من يباشر معك، ويعرّفك ما تعمل. وطلب شمس الدّين غبريال ناظر دمشق منها، وجعله ناظر الدّولة رفيقا للوزير الجمالي.

فرفعت قصّة إلى السّلطان، وهو في القصر من القلعة، فيها الحطّ على السّلطان بسبب تولية الجماليّ الوزارة وألماس حاجبا، وأنّه بسبب ذلك أضاع أوضاع المملكة وأهانها، وفرّط في أموال المسلمين والجيش، وأنّ هذا لم يفعله أحد من الملوك «فقد ولّيت الحجابة لمن لا يعرف يحكم، ولا يتكلّم بالعربي، ولا يعرف الأحكام الشّرعيّة. وولّيت الوزارة والأستادّارية لشابّ لا يعرف يكتب اسمه، ولا يعرف ما يقال له، لا يتصرّف في أمور المملكة، ولا في الأموال الدّيوانية، إلاّ أرباب الأقلام، فإنّهم يأكلون المال ويحيلون على الوزير».

فلمّا وقف السّلطان عليها، أوقف عليها القاضي فخر الدّين محمد بن فضل اللّه - المعروف بالفخر ناظر الجيش - فقال: هذه ورقة الكتّاب البطّالين ممّن انقطع/ رزقه وكثر حسده. وقرّر مع السّلطان أن يلزم الوزير ناظر الدّولة وناظر الخواصّ بإحضار أوراق في كلّ يوم تشتمل على أصل الحاصل، وما حمل في ذلك اليوم من البلاد والجهات وما صرف، وأنّه لا يصرف لأحد شيء ألبتّة إلاّ بأمر السّلطان وعلمه.

فلمّا حضر الوزير الجماليّ، أنكر عليه السّلطان، وقال له: إنّ الدّواوين تلعب بك. وأمر فأحضر التّاج إسحاق وغبريال ومجد الدّين بن لفيته (a)، وقرّر معهم أن يحضروا آخر كلّ يوم أوراقا بالحاصل والمصروف، وقد فصّلت بأسماء ما يحتاج إلى صرفه وإلى شرائه وبيعه. فصاروا يحضرون كلّ يوم الأوراق إلى السّلطان، وتقرأ عليه، فيصرف ما يختار، ويوقف ما يريد.

ورسم أيضا أنّ مال الجيزة كلّه يحمل إلى السّلطان، ولا يصرف منه شيء.

ثم لمّا كانت الفتنة بثغر الإسكندرية بين أهلها وبين الفرنج، وغضب السّلطان على أهل الإسكندرية، بعث بالجمالي إليها. فسار من القاهرة في أثناء رجب سنة سبع وعشرين وسبع مائة، ودخل إليها، فجلس بالخمس، واستدعى بوجوه الناس (b)، وقبض على كثير من العامّة، ووسّط بعضهم، وقطع أيدي جماعة وأرجلهم، وصادر أرباب الأموال حتى لم يدع أحدا له ثروة حتى ألزمه بمال كثير. فباع الناس حتى ثياب نسائهم في هذه المصادرة. وأخذ من التّجّار شيئا كثيرا، مع ترفّقه بالناس فيما يرد عليه من الكتب بسفك الدّماء، وأخذ الأموال.


(a) بولاق: لعيبة.
(b) بولاق: أهل البلد.