للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعقوب، فإنّه كان قد تحكّم في بيته تحكّما زائدا، وعظمت نعمته، وكثرت سعادته، وأسرف في اتّخاذ المماليك والخدم، وانهمك في اللعب الكثير، وتعدّى طوره، وقراسنقر لا يسمع فيه كلاما. وحدّثه السّلطان بسببه، وأغلظ في القول، وألزمه بضربه وتأديبه أو إخراجه من عنده، فلم يعبأ بذلك.

وما زال قراسنقر في الاعتقال إلى أن قتل الملك المنصور لا جين، وأعيد الملك الناصر محمد ابن قلاوون إلى السّلطنة، فأفرج عنه وعن غيره من الأمراء، ورسم له بنيابة الصّبيبة. فخرج إليها، ثم نقل منها إلى نيابة حماه بعد موت صاحبها الملك المظفّر تقيّ الدّين محمود، بسفارة الأمير بيبرس الجاشنكير والأمير سلار. ثم نقل من نيابة حماه بعد ملاقاة التّتر إلى نيابة حلب. واستقرّ عوضه في نيابة حماه الأمير زين الدّين كتبغا، الذي تولّى سلطنة مصر والشّام، وذلك في سنة تسع وتسعين وستّ مائة، وشهد وقعة شقحب مع الملك الناصر محمد بن قلاوون.

ولم يزل على نيابة حلب إلى أن خلع الملك الناصر، وتسلطن الملك المظفّر بيبرس الجاشنكير، وكان (a) الناصر في الكرك، فلمّا تحرّك لطلب الملك واستدعى نوّاب الممالك، أجابه قراسنقر، وأعانه برأيه وتدبيره، ثم حضر إليه وهو بدمشق، وقدّم له شيئا كثيرا، وسار معه إلى مصر حتى جلس على تخت ملكه بقلعة الجبل، فولاّه نيابة دمشق، عوضا عن الأمير عزّ الدّين الأفرم، في شوّال سنة تسع وسبع مائة. وخرج إليها، فسار إلى غزّة في عدّة من النوّاب، وقبضوا على المظفّر بيبرس الجاشنكير، وسار به هو والأمير سيف الدّين الحاج بهادر إلى الخطارة، فتلقّاهم الأمير أسندمر كرجي، فتسلّم منهم بيبرس، وقيّده وأركبه بغلا، وأمر قراسنقر والحاج بهادر بالسّير إلى مصر. فشقّ على قراسنقر تقييد بيبرس، وتوهّم الشّرّ من الناصر، وانزعج لذلك انزعاجا كبيرا، وألقى كلّوتته عن رأسه إلى الأرض، وقال: (b) «لعن اللّه الدّنيا (b)، يا ليتنا متنا ولا رأينا هذا اليوم»، فترجّل من حضر من الأمراء، ورفعوا كلّوتته ووضعوها على رأسه.

ورجع من فوره، ومعه الحاج بهادر، إلى ناحية الشّام، وقد ندم على تسليم (c) المظفّر بيبرس، فجدّ في سيره إلى أن عبر دمشق. وفي نفس السّلطان منه كونه لم يحضر مع بيبرس، وكان قد أراد القبض عليه، فبعث الأمير نوغاى القبجاقي أميرا بالشّام ليكون له عينا على الأمير قراسنقر،


(a) بولاق: صاحب.
(b) (b-b) في بولاق: لفراشه الدنيا فانية.
(c) بولاق: تشييع.