للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عوضه الأمير سيف الدّين بلبان الطبّاخي، وذلك في أوائل شعبان سنة إحدى وتسعين، وكانت ولايته على حلب تسع سنين.

فلمّا خرج السّلطان من مدينة حلب، خرج في خدمته، وتوجّه مع الأمير بدر الدّين بيدرا - نائب السّلطنة بديار مصر - في عدّة من الأمراء لقتال أهل جبال كسروان. فلمّا عاد سار مع السّلطان من دمشق إلى القاهرة، ولم يزل بها إلى أن ثار الأمير بيدرا على الأشرف، فتوجّه معه وأعان على قتله. فلمّا قتل بيدرا فرّ قراسنقر ولا جين في نصف المحرّم سنة ثلاث وتسعين وستّ مائة، واختفيا بالقاهرة، إلى أن استقرّ الأمر للملك الناصر محمد بن قلاوون، وقام في نيابة السّلطنة وتدبير الدّولة الأمير زين الدّين كتبغا، فظهرا في يوم عيد الفطر. وكانا عند فرارهما، يوم قتل بيدرا، أطلعا الأمير بنخاص (a) الزّيني - مملوك الأمير كتبغا نائب السّلطنة - على حالهما، فأعلم أستاذه بأمرهما، وتلطّف به حتى تحدّث في شأنهما مع السّلطان، فعفا عنهما.

ثم تحدّث مع الأمير بكتاش الفخري إلى أن ضمن له التّحدّث مع الأمراء، وسعى في الصّلح بينهما/ وبين الأمراء والمماليك حتى زالت الوحشة، وظهر من بيت الأمير كتبغا، فأحضرهما بين يدي السّلطان، وقبّلا الأرض، وأفيضت عليهما التّشاريف، وجعلهما أمراء على عادتهما، ونزلا إلى دورهما، فحمل إليهما الأمراء ما جرت العادة به من التّقادم.

فلم يزل قراسنقر على إمرته إلى أن خلع الملك الناصر محمد بن قلاوون من السّلطنة، وقام من بعده الملك العادل زين الدّين كتبغا، فاستمرّ على حاله إلى أن ثار الأمير حسام الدّين لا جين، نائب السّلطنة بديار مصر، على الملك العادل كتبغا بمنزله العوجاء من طريق دمشق. فركب معه قراسنقر وغيره من الأمراء إلى أن فرّ كتبغا، واستمرّ الأمر لحسام الدّين لا جين، وتلقّب ب «الملك المنصور».

فلمّا استقرّ بقلعة الجبل، خلع على الأمير قراسنقر، وجعله نائب السّلطنة بديار مصر في صفر سنة ستّ وتسعين وستّ مائة. فباشر النيابة إلى يوم الثلاثاء للنصف من ذي القعدة فقبض عليه، وأحيط بموجوده وحواصله ونوّابه ودواوينه بديار مصر والشّام، وضيّق عليه، واستقرّ في نيابة السّلطنة بعده الأمير منكوتمر.

وعدّ السّلطان من أسباب القبض عليه إسرافه في الطمع، وكثرة الحمايات، وتحصيل الأموال على سائر الوجوه، مع كثرة ما وقع من شكاية الناس من مماليكه، ومن كاتبه شرف الدّين


(a) بولاق: بيخاص.