تماديا في الإعراض عنه، وجرى على عادته في أذى من ينسب إليه، وأغرى الملك المنصور بشمس الدّين محمد بن السّلعوس - ناظر ديوان الأشرف - حتى ضربه، وصرفه عن مباشرة ديوانه.
والأشرف مع ذلك يتأكّد حنقه عليه، ولا يجد بدّا من الصّبر إلى أن صار له الأمر بعد أبيه، ووقف الأمير طرنطاي بين يديه في نيابة السّلطنة على عادته، وهو منحرف عنه لما أسلفه من الإساءة عليه. وأخذ الأشرف في التّدبير عليه إلى أن نقل له عنه أنّه يتحدّث سرّا في إفساد نظام المملكة وإخراج الملك عنه، وأنّه قصد أن يقتل السّلطان وهو راكب في الميدان الأسود الذي تحت قلعة الجبل عند ما يقرب من باب الإسطبل، فلم يحتمل ذلك.
وعندها سيّر أربعة ميادين - والأمير طرنطاي ومن وافقه عند باب سارية - حتى انتهى إلى رأس الميدان، وقرب من باب الإسطبل، وفي الظّنّ أنّه يعطف إلى باب سارية ليكمل التّسيير على العادة، فعطف إلى جهة القلعة، وأسرع ودخل من باب الإسطبل. فبادر الأمير طرنطاي عندما عطف السّلطان، وساق فيمن معه ليدركوه، ففاتهم وصار بالإسطبل فيمن خفّ معه من خواصّه. وما هو إلاّ أن نزل الأشرف من الرّكوب، فاستدعى بالأمير طرنطاي، فمنعه الأمير زين الدّين كتبغا المنصوري من الدّخول إليه، وحذّره منه وقال له: واللّه إنّي أخاف عليك منه، فلا تدخل عليه إلاّ في عصبة تعلم أنّهم يمنعونك منه إن وقع أمر تكرهه. فلم يرجع إليه، وغرّه أنّ أحدا لا يجسر عليه لمهابته في القلوب ومكانته من الدّولة، وأنّ الأشرف لا يبادره بالقبض عليه، وقال لكتبغا: واللّه لو كنت نائما ما جسر خليل ينبّهني. وقام ومشى إلى السّلطان ودخل ومعه كتبغا، فلمّا وقف على عادته، بادر إليه جماعة قد أعدّهم السّلطان/ وقبضوا عليه، فأخذه اللكم من كلّ جانب والسّلطان يعدّد ذنوبه، ويذكر له إساءته ويسبّه. فقال له: يا خوند، هذا جميعه قد عملته معك، وقدّمت الموت بين يديّ، ولكن واللّه لتندمنّ من بعدي. هذا والأيدي تتناوب عليه، حتى إنّ بعض الخاصّكيّة قلع عينه وسحب إلى السّجن. فخرج كتبغا وهو يقول: إيش أعمل؟ ويكرّرها. فأدركه الطلب، وقبض عليه أيضا، ثم آل أمر كتبغا بعد ذلك إلى أن ولي سلطنة مصر.
وأوقع الأشرف الحوطة على أموال طرنطاي، وبعث إلى داره الأمير علم الدّين سنجر الشّجاعي. فوجد له من العين ستّ مائة ألف دينار، ومن الفضّة سبعة عشر ألف رطل ومائة رطل مصري عنها زيادة على مائة وسبعين قنطارا فضّة سوى الأواني، ومن العدد والأسلحة والأقمشة والآلات والخيول والمماليك ما يتعذّر إحصاء قيمته، ومن الغلاّت والأملاك شيء كثير جدّا، ووجد له من البضائع والأموال المسفّرة على اسمه، والودائع والمقارضات، والقيود والأعمال، والأبقار والأغنام، والرّقيق وغير ذلك، شيء يجلّ وصفه، هذا سوى ما أخفاه