وأخوه بدر الدّين سلامش، ابنا الملك الظّاهر بيبرس - في رابع المحرّم وسار إليها. فوافاه الأمير بدر الدّين (a) الصّواني بعساكر دمشق في ألفي فارس ونازلا الكرك وقطعا الميرة عنها، واستفسدا رجال الكرك حتى أخذا خضرا وسلامش بالأمان في خامس صفر، وتسلّم الأمير عزّ الدّين أيبك الموصلي نائب الشّوبك مدينة الكرك واستقرّ في نيابة السّلطنة بها، وبعث الأمير طرنطاي بالبشارة إلى قلعة الجبل فوصل البريد بذلك في ثامن صفر.
ثم قدم بابني الظّاهر، فخرج السّلطان إلى لقائه في ثاني عشر ربيع الأوّل وأكرم الأمير طرنطاي ورفع قدره، ثم بعثه إلى أخذ صهيون - وبها سنقر الأشقر - فسار بالعساكر من القاهرة في سنة ستّ وثمانين، ونازلها وحصرها حتى نزل إليه سنقر بالأمان، وسلّم إليه قلعة صهيون، وسار به إلى القاهرة، فخرج السّلطان إلى لقائه وأكرمه.
ولم يزل على مكانته إلى أن مات الملك المنصور وقام في السّلطنة بعده ابنه الأشرف صلاح الدّين خليل بن قلاوون، فقبض عليه في يوم السبت ثالث عشر ذي القعدة سنة تسع وثمانين، وعوقب حتى مات يوم الاثنين خامس عشره بقلعة الجبل، وبقي ثمانية أيّام بعد قتله مطروحا بحبس القلعة. ثم أخرج في ليلة الجمعة سادس عشرين ذي القعدة وقد لفّ في حصير، وحمل على جنوبة إلى زاوية الشّيخ أبي السّعود بالقرافة (١)، فغسّله الشّيخ عمر السّعودي شيخ الزّاوية، وكفّنه من ماله ودفنه خارج الزّاوية ليلا، وبقي هناك إلى سلطنة العادل كتبغا، فأمر بنقل جثّته إلى تربته التي أنشأها بمدرسته هذه.
وكان سبب القبض عليه وقتله أنّ الملك الأشرف كان يكرهه كراهة شديدة، فإنّه كان يطرح جانبه في أيّام أبيه، ويغضّ منه ويهين نوّابه، ويؤذي من يخدمه؛ لأنه كان يميل إلى أخيه الملك الصّالح علاء الدّين عليّ بن قلاوون. فلمّا مات الملك الصّالح عليّ وانتقلت ولاية العهد إلى الأشرف خليل بن قلاوون، مال إليه من كان ينحرف عنه في حياة أخيه إلاّ طرنطاي، فإنّه ازداد
(a) بياض بنسختي ميونخ وآياصوفيا. (١) تقع زاوية أبي السّعود بن أبي العشائر بجبّانة سيدي علي أبي الوفا الواقعة تحت الجبل المقطّم شرقي جبّانة الإمام الليث وفي الشّمال الغربي لجامع السّادات الوفائية على بعد مائتي متر منه، ولا يزال يوجد من مبانيها بقايا بابها والحائط الشمالي الشّرقي والحائط الذي فيه المحراب. (ابن الزيات: الكواكب السيارة ٣١٦؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٣٨٤: ٧ هـ ١، ٢٨٣: ٨).