للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقال: إنّ ذا القرنين كتب كتابا فيه ما شاهده من عجائب الدّنيا، فضمّنه كلّ أعجوبة، ثم قال في آخره: «وليس ذلك بعجب، بل العجب نيل مصر».

وقال بعض الحكماء: لولا ما جعل اللّه في نيل مصر من حكمة الزيادة في زمن الصّيف على التّدريج، حتى يتكامل ريّ البلاد وهبوط الماء عنها عند بدء الزّراعة، لفسد إقليم مصر وتعذّر سكناه، لأنّه ليس فيه أمطار كافية، ولا عيون جارية تعمّ أرضه، إلاّ بعض إقليم الفيّوم.

وللّه درّ القائل:

[الكامل]

واها لهذا النّيل أيّ عجيبة … بكر بمثل حديثها لا يسمع

يلقى الثّرى في العام وهو مسلّم … حتّى إذا ما ملّ عاد يودّع

مستقبل مثل الهلال فدهره … أبدا يزيد كما يريد ويرجع

وقال آخر:

[الوافر]

كأنّ النّيل ذو فهم ولبّ … لما يبدو لعين النّاس منه

فيأتي حين حاجتهم إليه … ويمضي حين يستغنون عنه

وقال تميم بن المعزّ (١):

[الكامل]

يوم لنا بالنّيل مختصر … ولكلّ يوم مسرّة قصر

والسّفن تجري كالخيول بنا … صعدا وجيش الماء منحدر

فكأنّما أمواجه عكن … وكأنّما داراته سرر

وقال أيضا (٢):

[المجتث]

أما ترى الرّعد بكى واشتكى … والبرق قد أومض واستضحكا

فاشرب على غيم كصبغ الدّجى … أضحك وجه الأرض لمّا بكى

وانظر لماء النّيل في مدّه … كأنّما صندل أو مسّكا

وقال آخر:

[الطويل]

واللّه مجري النّيل منه إذا الصّبا … أرتنا به من برّها عسكرا بحرا


(١) ديوان تميم بن المعز ٢٤١.
(٢) نفسه ٣٠٤.