إسماعيل قرّره في حياته لو أنشأ مدرسة، وجعل ذلك الأمير أرغون مرتّبا لمن يقوم به في القبّة المنصورية. وهو وقف جليل يتحصّل منه في كلّ سنة نحو الأربعة آلاف دينار ذهبا.
ثم لمّا كانت الحوادث وخربت الناحية المذكورة، تلاشى أمر وقف الصّالح وفيه إلى اليوم بقيّة.
وكان لا يلي تدريس دروسه إلاّ قضاة القضاة، فوليه الآن الصّبيان ومن لا يؤهّل - لو كانت الإنصاف - له.
وفي هذه القبّة أيضا قرّاء يتناوبون القراءة بالشّبابيك المطلّة على الشّارع طول الليل والنهار، وهم من جهة ثلاثة أوقاف: فطائفة من جهة وقف الملك الصّالح إسماعيل، وطائفة من جهة الوقف السّيفي وهو منسوب إلى الملك المنصور سيف الدّين أبي بكر ابن الملك الناصر محمد ابن قلاوون (١).
وبهذه القبّة إمام راتب يصلّي بالخدّام والقرّاء وغيرهم الصّلوات الخمس، ويفتح له باب فيما بين القبّة والمحراب يدخل منه من يصلّي من الناس، ثم يغلق بعد انقضاء الصّلاة.
وبهذه القبّة خزانة جليلة، كان فيها عدّة أحمال من الكتب في أنواع العلوم ممّا وقفه الملك المنصور وغيره، وقد ذهب معظم هذه الكتب، وتفرّق في أيدي الناس (٢).
وفي هذه القبّة خزانة بها ثياب الملوك (a) المقبورين بها، ولهم فرّاش معلوم بمعلوم لتعهّدهم، ويوضع ما يتحصّل من مال أوقاف المارستان بهذه القبّة تحت أيدي الخدّام.
وكانت العادة أنّه إذا أمّر السّلطان أحدا من أمراء مصر والشّام، فإنّه ينزل من قلعة الجبل وعليه التّشريف والشّربوش، وتوقد له القاهرة، فيمرّ إلى المدرسة الصّالحيّة بين القصرين، وعمل ذلك
(a) ساقطة من بولاق. (١) لم يذكر المقريزي جهة الوقف الثّالث. (٢) وصف النويري - قبل المقريزي بنحو مائة عام - هذه الخزانة وكتبها بقوله: «وبخزانة كتبها من الختمات الشّريفة والرّبعات المنسوبة الخطّ وكتب التّفسير والحديث والفقه واللغة والطبّ والأدبيات ودواوين الشّعراء شيء كثير»، كما رتّب لخازن كتبها في كلّ شهر أربعون درهما. (نهاية الأرب ١١١: ٣١). ووصل إلينا من بين كتب هذه الخزانة، الجزء الأوّل من كتاب «أدب الخواصّ في المختار من بلاغات قبائل العرب وأخبارها وأنسابها وأيّامها» للوزير الحسين بن علي ابن الحسين المغربي الكاتب، المتوفى سنة ٤١٨ هـ/ ١٠٢٧ م، وهذه النسخة محفوظة الآن في المكتبة العامّة بمدينة بورصة التركية، وجاء على ظهريتها: «هذا الكتاب من الكتب الموقوفة المخزونة في خزانة القبّة المنصورية بمصر المحروسة -