وجدّ الكامل في قتال الفرنج، وأمر بالنفير في ديار مصر، وأتته الملوك من الأطراف. فقدّر اللّه أخذ الفرنج لدمياط بعد ما حاصروها ستة عشر شهرا واثنين وعشرين يوما، ووضعوا السّيف في أهلها. فرحل الكامل من أشموم ونزل بالمنصورة، وبعث يستنفر الناس، وقوي الفرنج حتى بلغت عدّتهم نحو المائتي ألف راجل وعشرة آلاف فارس.
وقدم عامّة أهل أرض مصر، وأتت النجدات من البلاد الشّامية وغيرها، فصار المسلمون في جمع عظيم إلى الغاية، بلغت عدّة فرسانهم خاصّة نحو الأربعين ألفا. وكانت بين الفريقين خطوب آلت إلى وقوع الصّلح، وتسلّم المسلمون مدينة دمياط في تاسع عشر رجب سنة ثمان عشرة وستّ مائة، بعد ما أقامت بيد الفرنج سنة وأحد عشر شهرا تنقص ستة أيّام، وسار الفرنج إلى بلادهم.
وعاد السّلطان إلى قلعة الجبل، وأخرج كثيرا من الأمراء الذين وافقوا ابن المشطوب من القاهرة إلى الشّام وفرّق أخبازهم على مماليكه ثم تخوّف من أمرائه في سنة إحدى وعشرين بميلهم إلى أخيه الملك المعظّم فقبض على جماعة منهم، وكاتب أخاه الملك الأشرف في موافقته على المعظّم. فقويت الوحشة بين الكامل والمعظّم، واشتدّ خوف الكامل من عسكره، وهمّ أن يخرج من القاهرة لقتال المعظّم، فلم يجسر على ذلك.
وقدم الأشرف إلى القاهرة، فسرّ به سرورا كثيرا وتحالفا على المعاضدة، وسافر من القاهرة فمال مع المعظّم فتحيّر الكامل من أمره، وبعث إلى ملك الفرنج يستدعيه إلى عكّا ووعده بأن يمكّنه من بلاد السّاحل، وقصد بذلك إشعال (a) سرّ أخيه المعظّم. فلمّا بلغ ذلك المعظّم خطب للسّلطان جلال الدّين الخوارزمي، وبعث يستنجده على الكامل، وأبطل الخطبة للكامل. فخرج الكامل من القاهرة يريد محاربته في رمضان سنة أربع وعشرين وسار إلى العبّاسة، ثم عاد إلى قلعة الجبل وقبض على عدّة من الأمراء ومماليك أبيه لمكاتبتهم المعظّم، وأنفق في العسكر. فاتّفق موت الملك المعظّم في سلخ ذي القعدة وقيام ابنه الملك الناصر داود بسلطنة دمشق، وطلبه من الكامل الموادعة، فبعث إليه خلعة سنيّة وسنجقا سلطانيّا، وطلب منه أن ينزل له عن قلعة الشّوبك، فامتنع الناصر من ذلك، فوقعت المنافرة بينهما.
وعهد الملك الكامل إلى ابنه الملك الصّالح نجم الدّين أيّوب، وأركبه بشعار السّلطنة، وأنزله بدار الوزارة، وخرج من القاهرة في العساكر يريد دمشق، فأخذ نابلس والقدس. فخرج الناصر