فلمّا مات الملك العادل ببلاد الشّام، استقلّ الملك الكامل بمملكة مصر في جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستّ مائة، وهو على محاربة الفرنج بالمنزلة العادلية قريبا من دمياط، وقد ملكوا البرّ الغربي، فثبت لقتالهم مع ما حدث من الوهن بموت السّلطان.
وثارت العربان بنواحي أرض مصر، وكثر خلافهم، واشتدّ ضررهم. وقام الأمير عماد الدّين أحمد ابن الأمير سيف الدّين أبي الحسين عليّ بن أحمد الهكّاري المعروف بابن المشطوب - وكان أجلّ الأمراء الأكابر، وله لفيف من الأكراد الهكّاريّة - يريد خلع الملك الكامل وتمليك أخيه الملك الفائز إبراهيم بن العادل، ووافقه على ذلك كثير من الأمراء. فلم يجد الكامل بدّا من الرّحيل في الليل جربدة، وسار من العادليّة إلى أشموم طناح فنزل بها، وأصبح العسكر بغير سلطان. فركب كلّ واحد هواه، ولم يعرّج واحد منهم على آخر، وتركوا أثقالهم وسائر ما معهم. فاغتنم الفرنج الفرصة وعبروا إلى برّ دمياط، واستولوا على جميع ما تركه المسلمون، وكان شيئا عظيما.
وهمّ الملك الكامل بمفارقة أرض مصر، ثم إنّ اللّه تعالى ثبّته، ولحقت (a) به العساكر، وبعد يومين قدم عليه أخوه الملك المعظّم عيسى صاحب دمشق بأشموم فاشتدّ عضده بأخيه، وأخرج ابن المشطوب من العسكر إلى الشّام، ثم أخرج الفائز إبراهيم [بن الملك العادل] (b) إلى الملوك الأيّوبية بالشّام والشّرق يستنفرهم/ لجهاد الفرنج.
وكتب الملك الكامل إلى أخيه الملك الأشرف موسى (c) يستحثّه على الحضور، وصدّر المكاتبة بهذه الأبيات:
[الكامل]
يا مسعدي إن كنت حقّا مسعفي … فانهض بغير تلبّث وتوقّف
واحثث قلوصك مرقلا أو موجفا … بتجشّم في سيرها وتعسّف
واطو المنازل ما استطعت ولا تنخ … إلاّ على باب المليك الأشرف
واقر السّلام عليه من عبد له … متوقّع لقدومه متشوّف
وإذا وصلت إلى حماه فقل له … عنّي بحسن توصّل وتلطف
إن تأت عبدك عن قليل تلقه … ما بين كلّ مهنّد ومثقّف
أو تبط عن إنجاده فلقاؤه … بك في القيامة في عراض الموقف
(a) أصل المصنف والنسخ: وتلاحقت. (b) زيادة من المصادر للتوضيح. (c) في النسخ: شاه أرمن؟