للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصار إلى آمد، فأقام بها عند ابن أرتق إلى أن مات الملك العادل في سنة خمس (a) وستّ مائة فطلبه الملك الكامل محمد ابن الملك العادل لمّا استبدّ بسلطنة ديار مصر بعد أبيه، وهو في نوبة قتال الفرنج على دمياط، حين رأى أنّ الضّرورة داعية لحضوره بعد ما كان يعاديه. فقدم عليه في ذي القعدة منها، وهو بالمنزلة العادلية قريبا من دمياط؛ فتلقّاه وأكرمه، وحادثه فيما نزل به من موت أبيه، ومحاربة الفرنج، ومخالفة الأمير عماد الدّين أحمد بن المشطوب، واضطراب أرض مصر بثورة العربان وكثرة خلافهم. فشجّعه، وتكفّل له بتحصيل المال وتدبير الأمور. وسار إلى القاهرة، فوضع يده في مصادرات أرباب الأموال بمصر والقاهرة من الكتّاب والتّجّار، وقرّر على الأملاك مالا، وأحدث حوادث كثيرة، وجمع مالا عظيما أمدّ به السّلطان. فكثر تمكّنه منه، وقويت يده، وتوفّرت مهابته بحيث إنّه لمّا انقضت نوبة دمياط، وعاد الملك الكامل إلى قلعة الجبل، كان ينزل إليه، ويجلس عنده بمنظرته التي كانت على الخليج، ويتحدّث معه في مهمّات الدّولة. ولم يزل على ذلك إلى أن مات بالقاهرة، وهو وزير، في يوم الجمعة ثامن شعبان سنة اثنتين وعشرين وستّ مائة.

وكان بعيد الغور، جمّاعا للمال ضابطا له من الإنفاق في غير واجب، قد ملأت هيبته الصّدور، وانقاد له على الرّغم والرّضا الجمهور، وأخمد جمرات الرّجال، وأضرم رمادا لم يخطر إيقاده على بال. وبلغ عند الملك الكامل بحيث إنّه بعث إليه بابنيه الملك الصّالح نجم الدّين أيّوب والملك العادل أبي بكر، ليزوراه في يوم عيد، فقاما على رأسه قياما، وأنشد زكيّ الدّين أبو القاسم عبد الرّحمن بن وهيب القوصي (١) قصيدة، زاد فيها حين رأى الملكين قياما على رأسه.

[الكامل]

لو لم تقم في اللّه (b) حقّ قيامه … ما كنت تقعد والملوك قيام

وقطع في وزارته الأرزاق، وكانت جملتها أربع مائة ألف دينار في السنة، وتسارع أرباب الحوائج والأطماع ومن كان يخافه إلى بابه، وملأوا طرقاته وهو يهينهم، ولا يحفل بشيخ منهم وهو عالم، وأوقع بالرّؤساء وأرباب البيوت، حتى استأصل شأفتهم عن آخرهم، وقدّم الأراذل في مناصبهم.


(a) بولاق: خمسين.
(b) بولاق: للّه.
(١) انظر ترجمة ابن وهيب القوصي، المتوفى سنة ٦٣١ هـ/ ١٢٣٣ م، عند، المنذري: التكملة لوفيات النقلة ٣٧٧: ٣؛ الأدفوي: الطالع السعيد ٢٨٧ - ٢٨٩؛ الصفدي: الوافي بالوفيات ٣٠٥: ١٨ - ٣٠٨.