كانت بداية أمره أنّه لمّا سلّم السّلطان صلاح الدّين يوسف بن أيّوب أمر الأسطول لأخيه الملك العادل أبي بكر بن أيّوب، وأفرد له من الأبواب الدّيوانيّة الزّكاة بمصر والحبس الجيوشي بالبرّين والنطرون والحراج (a) وما معه من ثمن القرط وساحل السّنط والمراكب الدّيوانية وأشنى وطندي (١)، استخدم العادل في مباشرة ديوان هذه المعاملة الصّفيّ بن شكر هذا، وكان ذلك/ في سنة سبع وثمانين وخمس مائة.
ومن حينئذ اشتهر ذكره، وتخصّص بالملك العادل، فلمّا استقلّ بمملكة مصر في سنة ستّ وتسعين وخمس مائة، عظم قدره، ثم استوزره بعد الصّنيعة ابن النجّار، فحلّ عنده محلّ الوزراء الكبار والعلماء المشاورين، وباشر الوزارة بسطوة وجبروت وتعاظم، وصادر كتّاب الدّولة واستصفى أموالهم. ففرّ منه القاضي الأشرف ابن القاضي الفاضل إلى بغداد، واستشفع بالخليفة الناصر، وأحضر كتابه إلى الملك العادل يشفع فيه. وهرب منه القاضي علم الدّين إسماعيل ابن أبي الحجّاج صاحب ديوان الجيش، والقاضي الأسعد أسعد بن ممّاتي صاحب ديوان المال، والتجأ إلى الملك الظّاهر بحلب، فأقاما عنده حتى ماتا.
وصادر بني حمدان، وبني الحبّاب، وبني الجليس، وأكابر الكتّاب والسّلطان لا يعارضه في شيء. ومع ذلك فكان يكثر التّعصّب على السّلطان، ويتجنّى عليه وهو يحتمله، إلى أن غضب في سنة سبع وستّ مائة، وحلف أنّه ما بقي يخدم، فلم يحتمله، وولّى الوزارة عوضا عنه القاضي الأعزّ فخر الدّين مقدام بن شكر، وأخرجه من مصر بجميع أمواله وحرمه وغلمانه، وكان نقله على ثلاثين جملا، وأخذ أعداؤه في إغراء السّلطان به، وحسّنوا له أن يأخذ ماله، فأبى عليهم، ولم يأخذ منه شيئا.
(a) بولاق: الخراج. - العبّاسي، المتوفى سنة ٥٦٠ هـ/ ١١٥٦ م (ابن خلكان: وفيات الأعيان ٢٣٠: ٦ - ٢٤٤). (١) هناك مدينتان باسم أشني (أو أشنين) وطنبدي (أو طمبدي). الأولى من كفور البتنون من أعمال المنوفية بالوجه البحري. وقد احتفظت طنبدي باسمها، أمّا أشني فلأنّها كانت من توابع طنبدي فقد عرفت من العهد العثماني بكفر طنبدي (علي مبارك: الخطط التوفيقية ١٢٤: ١٣ (٤٣)؛ محمد رمزي: القاموس الجغرافي ١٩٢: ٢/ ٢). والثانية من أعمال البهنسا بصعيد مصر، وكانتا تعرفان بالعروستين لحسنهما، وهي الآن بمركز مغاغة بمحافظة المنيا. (علي مبارك: الخطط التوفيقية ١٢٤: ١٣ - ١٢٨ (٤٤ - ٤٥)؛ محمد رمزي: القاموس الجغرافي ٢/ ٢٤٣: ٣، ٢٤٩).