للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عشر ذراعا، وهو الوفاء، ولا يعرف وفاؤه بهذا التاريخ في زمن متقدّم (١). وهذا أيضا ممّا تغيّر فيه قانون النّيل في زماننا، فإنّه صار يوفّي في أوائل مسرى، ولقد كان الوفاء في سنة اثنتي عشرة وثمان مائة في اليوم التاسع والعشرين من أبيب قبل مسرى بيوم/ وهذا من أعجب ما يؤرّخ في زيادات النّيل.

واتّفق وفاء النّيل (a) أنّ حادي عشر من جمادى الأولى سنة تسع وسبع مائة، وفّى النّيل، وكان ذلك في اليوم التاسع عشر من بابة بعد النّوروز بتسعة وأربعين يوما (٢).

قال: وفي تاسع عشرة - يعني شوّال سنة اثنتين وتسعين وخمس مائة - كسر بحر أبي المنجّا، وباشر الملك العزيز عثمان كسره، وزاد النّيل فيه أصبعا، وهي الأصبع الثامنة عشرة من ثمان عشرة ذراعا، وهذا الحدّ يسمّى عند أهل/ مصر اللّجّة الكبرى (٣).

فانظر كيف يسمّي القاضي الفاضل هذا القدر اللّجّة الكبرى، وإنّه - والعياذ باللّه - لو بلغ ماء النّيل في سنة هذا القدر فقط لحلّ بالبلاد غلاء يخاف منه أن يهلك فيه الناس، وما ذاك إلا لما أهمل من عمل الجسور.

ويحصل لأهل مصر بوفاء النّيل ستّ عشرة ذراعا فرح عظيم، فإنّ ذلك كان قانون الرّيّ في القديم واستمرّ ذلك إلى يومنا هذا. ويتخّذ ذلك اليوم عيدا يركب فيه السّلطان بعساكره، وينزل في المراكب لتخليق المقياس.

وقد ذكرنا ما كان في الدّولة الفاطمية، من الاهتمام بفتح الخليج، عند ذكر مناظر اللّؤلؤة (٤).

وقال بعض المفسّرين: إنّ يوم الوفاء هو اليوم الذي وعد فرعون موسى بالاجتماع في قوله تعالى: ﴿قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ اَلزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ اَلنّاسُ ضُحًى﴾ [الآية ٥٩ سورة طه]، وقد جرت العادة أنّ اجتماع الناس للتّخليق يكون في هذا الوقت.

ومن أحسن السّياسات في أمر النّداء على النّيل ما حكاه الفقيه ابن زولاق (٥)، في «سيرة المعزّ لدين الله»، قال: وفي هذا الشهر - يعني شوّال سنة اثنتين وستين وثلاث مائة - منع المعزّ لدين اللّه


(a) ساقطة من بولاق.
(١) المقريزي: السلوك ٧١: ١.
(٢) نفسه ٥٥: ٢ وانظر كذلك أبا المحاسن: النجوم الزاهرة ٢٤٤: ٨.
(٣) نفسه ١٣٨: ١، وفيما يلي ٤٨٨: ١.
(٤) انظر فيما يلي ٤٧٠: ١ - ٤٧٩.
(٥) أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن الحسين اللّيثي