وقال أبو الصّلت: وأمّا النّيل وينبوعه، فهو من وراء خطّ الاستواء من جبل هناك يعرف بجبل القمر، فإنّه يبتدئ في التزايد في شهر أبيب (a). والمصريون يقولون:«إذا دخل أبيب كان للماء دبيب». وعند ابتدائه في التّزايد تتغيّر جميع كيفياته وتفسد، والسّبب في ذلك مروره بنقائع مياه آجنة يخالطها فيجتلبها [ويستخرجها] (b) معه [ويستصحبها] (c)، إلى غير ذلك ممّا يحتمله (١).
فإذا بلغ الماء خمسة عشر ذراعا، وزاد من السادس عشر أصبعا واحدا، كسر الخليج.
ولكسره يوم معدود، ومقام مشهود، ومجتمع غاصّ، يحضره العامّ والخاصّ. فإذا كسر فتحت التّرع - وهي فوهات الخلجان - ففاض الماء وساح، وغمر القيعان والبطاح، وانضمّ الناس إلى أعالي مساكنهم من الضّياع والمنازل، وهي على آكام وربى لا ينتهي الماء إليها، ولا يتسلّط السّيل عليها، فتعود أرض مصر بأسرها عند ذلك بحرا غامرا لما بين جبليها، ريثما يبلغ الحدّ المحدود في مشيئة اللّه ﷿ له، وأكثر ذلك يحوم حول ثماني عشرة ذراعا.
ثم يأخذ عائدا في صبّه إلى مجرى النّيل ومسربه، فينضب أوّلا عمّا كان من الأرض عاليا، ويصير فيما كان منها متطامنا، فيترك كلّ قرارة كالدرهم، ويغادر كلّ تلعة كالبرد المسهّم (٢).
وقال القاضي، أبو الحسن عليّ بن محمد الماوردي (٣) في كتاب «الأحكام السّلطانيّة»: وأمّا الذّراع السّوداء فهي أطول من ذراع الدّور بأصبع وثلثي أصبع، وأوّل من وضعها أمير المؤمنين
(a) بعد ذلك في الرسالة المصرية: الذي هو بالرومية يولية. (b) إضافة من الرسالة المصرية. (c) في الرسالة المصرية: وعم الغيطان والبطاح. (١) أمية بن عبد العزيز: الرسالة المصرية ١٧. (٢) نفسه ١٩ - ٢٠. (٣) القاضي أبو الحسن عليّ بن محمد بن حبيب الماوردي، فقيه شافعي ولد بالبصرة سنة ٣٦٤ هـ/ ٩٧٤ م، وتوفي ببغداد سنة ٤٥٠ هـ/ ١٠٥٨ م. تولى القضاء أكثر من مرة وفي سنة ٤٢٩ هـ/ ١٠٣٨ م منح لقب «أقضى القضاة» وأرسله الخليفة العباسي القائم بأمر اللّه في سفارات متعددة. وضع الماوردي العديد من المؤلفات في الأدب والتفسير والأحكام الشرعية. والكتاب الذي اعتمد عليه المقريزي هنا هو كتابه الشهير «الأحكام السلطانية» وبفضل هذا الكتاب الذي يقنن لأحكام الدولة الإسلامية تعرّف الاستشراق على الماوردي ونقل كتابه إلى اللغات الأوروبية أكثر من مرة (الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد ١٠٢: ١٢ - ١٠٣؛ ياقوت: معجم الأدباء ٥٢: ١٥ - ٥٥؛ ابن خلكان: وفيات ٢٨٢: ٣ - ٢٨٤؛ الذهبي: سير أعلام النبلاء ٦٤: ١٨ - ٦٨؛ السبكي: طبقات الشافعية الكبرى ٢٦٧: ٥ - ٢٨٥؛ الصفدي: الوافي بالوفيات ٤٥١: ٢١ - ٤٥٣؛ Brockelmann، C.، El ٢? art.al-Ma? wardi VI،. (pp. ٨٥٩ - ٦٠